Hero image

الرياض إكسبو 2030.. بين ما تحقق وبانتظار المُرتقب

يناير – فبراير | 2024

فبراير 26, 2024

شارك

لم يكن إعلان اللجنة الدولية للمعارض عن فوز الرياض بـ “إكسبو 2030” ، بدايةً للإنجاز الذي نصبو إلى تحقيقه، ولا نهايةً للتحدي. فقد جاء الإعلان نقطة متوسطة بين تأسيس ضخم وبناء عملاق سوف يرى النور قبل عام 2030م. فمن الجولة الأولى، وبفارق شاسع عن أقرب منافسيها، فازت الرياض باستضافة هذا المعرض العالمي، إذ استحوذت على 119 صوتًا مقابل 29 و17 صوتًا لكل من كوريا الجنوبية وإيطاليا على التوالي، الأمر الذي يؤكد جاهزية الرياض لاستضافة 40 مليون زائر حضورًا، ونحو مليار زائر عن بُعد عبر تقنية الواقع المعزّز، وأكثر من 226 جهة مشاركة، لمدة 181 يومًا، ما بين أكتوبر 2030م ونهاية مارس 2031م.

وهنا تستطلع “القافلة” بعض جوانب هذا الحدث العالمي المُرتقب، ورؤية المملكة لهذا المعرض وأهدافه، والهيئة التي يُفترض أن يكون عليه، ونتائجه المرجوة، وتطلعاته المستقبلية. وفي معرض هذا البحث، طُرحت بعض المحاور التي تتناول العوامل التي ساهمت في تحقيق هذا الإنجاز؛ إذ ارتبط استحقاق الفوز بإنجازات المملكة الضخمة ومكانتها بين دول العالم، فضلًا عن امتلاك القدرة على التنفيذ التي تتمتع بها الرياض لتكون جاهزة كما ينبغي للتعامل مع هذا الحدث الكبير.

الرؤية: إنسانية واحدة

إن ما تريد المملكة تحقيقه عبر إكسبو الرياض، هو إقرار مبدأ الإنسانية الواحدة الداعمة لحق الإنسان أينما كان في عيش عمر أطول وبصحة أفضل. وهذا يتطلب أن يكون المعرض منصة تستعرض أبرز الابتكارات العلمية وإسهاماتها في تذليل العقبات التي تعترض فرص الحياة الأفضل على كوكبنا. ومن هذه الرؤية تبلور العنوان الرئيس للمعرض “معًا نستشرف المستقبل”.

إن هذا العنوان ليس شعارًا بمعناه المجرد، إنما هو بالفعل طموح يستند إلى وعي تام بالتحديات التي تواجه المستقبل والممارسات المستدامة، بحيث يأتي تفسير هذا العنوان الرئيس في بوتقة ثلاثة عناوين فرعية تتلخص فيما يلي: غد أفضل، العمل المناخي، والازدهار للجميع.

غد أفضل؛ تزيد فيه نفقات الرعاية الصحية الحكومية من أجل تحقيق رعاية أكبر للأم والطفل والمسن. وهذا بدوره يستدعي بروز قطاع صحّي يركّز على المريض ويتكيّف مع احتياجاته الشخصيّة. ومن المرجح أن تصبح القطاعات التقليديّة التي تشكل منظومة الرعاية الصحيّة حاليًّا، مختلفة تمامًا بحلول عام 2040م، وذلك بعد تطوير قدراتها لمواكبة التحوّل.

ويمثل السعي لغد أفضل تحديًا كبيرًا في مجال تسخير العلوم والتكنولوجيا لخدمة الإنسانية، وكذلك الأمر من حيث تقليص الفجوة الرقمية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي بشكل أوسع، ونمو تطبيقاته في قطاعات مختلفة، مما سيغير في الوظائف نوعيًا، كما سوف يغير من طبيعة أوقات الفراغ ومساحتها المتاحة للإنسان وتكلفة الترفيه. وكل هذا يتطلب تعزيز الأمن السيبراني لتجنب مخاطر التقنية.

أمَّا الازدهار للجميع؛ فيؤتى أُكُله من خلال الاهتمام بالإنسانية والتركيز على الممارسات المستدامة في الاقتصاد، وما يعترض ذلك من تحديات أهمها الفجوة بين الطبقات الغنية والفقيرة بشكل كبير. ويتطلب تحقيق هدف الازدهار للجميع التركيز على إستراتيجيات دعم المهاجرين واللاجئين، وتوفير فرص التعليم والعمل لهم في كل مكان، وهذا يتطلب خطوات نحو إقرار تعايش سلمي يساعد على الازدهار.

إن تحقيق الرخاء المشترك ليس من ضروب التحدي السهل، وذلك بسبب تباطؤ الاقتصاد في بعض بلدان العالم وظواهر اللامساواة بين أفراد شعوبها، وتعثّر الحراك الاقتصادي في بعضها بسبب ارتباط الفرص الاقتصادية بالوضع الاجتماعي، إضافة إلى تعثر المساواة بين الجنسين وهضم حقوق أحدهما على حساب الآخر.

وفيما يتعلق بالعمل المناخي، هذه القضية التي تتصدر النقاشات العالميّة، فإن الإنجازات التي تحققت بهذا الشأن أقل من الطموح، وذلك بسبب تفاوت مستويات التنفيذ لاتفاقية باريس. وها هو هذا المعرض يعد بتركيز العمل على الشأن المناخي وندرة المياه والجفاف ومستويات الحرارة في المدن، كما سيضع على طاولة البحث التدابير الأفضل لحل هذه المشكلات.

وعود وآفاق

طلعت حافظ


الاهتمام بإكسبو يفتح الشهية للخوض في بعض التاريخ. ويمكن البدء من الأحدث: إكسبو دبي 2020م، الذي تأخر تنظيمه إلى ما بعد هدوء جائحة كورونا. فقد ساهمت فيه المملكة بجناح كان الأكثر تميزًا وإدهاشًا. وبالطبع لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تشارك فيها المملكة في إكسبو، فقد كان لها مساهمة لافتة عام 2010م في شنغهاي الصين، ومشاركة في إكسبو إشبيلية 1992م، وغير ذلك من المعارض.

لكن المملكة وعدت أن تقدم للعالم نسخة استثنائية من المعرض في الرياض تترك أثرًا باقيًا في ذاكرة زواره، لا سيما أن موعد إقامة المعرض يتوافق مع عام احتفالها بإنجاز رؤيتها الطموحة، وتزامنًا مع تتويجها واستكمال مشاريعها وتحقيق أهدافها، مثل: إنشاء المدن الاقتصادية والترفيهية والذكية وتشييدها، وحديقة الملك سلمان، وبوابة الدرعية التاريخية، ومشروع المكعب الجديد، ومشروع البحر الأحمر، وغير ذلك من المدن والإنجازات الحضارية العملاقة.

وبحسب ملف الترشيح، من المتوقع أن تبلغ تكلفة إنشاء المعرض 7.8 مليار دولار، يخصّص منها 5.85 مليار دولار للنفقات الرأسمالية، و1.47 مليار للنفقات التشغيلية. وسوف يُضخ هذا الإنفاق الضخم في شرايين الاقتصاد السعودي، وسيكون عنصرًا ومحركًا قويًا لعدد ضخم من الأنشطة والقطاعات الاقتصادية على مستوى المملكة واقتصادها. كما سينشّط بشكل كبير قطاعات كثيرة، مثل: المقاولات والتشييد والبناء، وقطاع الخدمات والضيافة والفندقة، والنقل العام والخاص، والخدمات اللوجستية، والاتصالات وتقنية المعلومات، وتكنولوجيا الاتصالات، بما في ذلك قطاع المال والأعمال، والسياحة والترفيه، وتنظيم المناسبات، وغير ذلك من القطاعات والأنشطة الاقتصادية؛ مما سينعكس بشكل إيجابي وملحوظ على تعزيز مستوى المحتوى المحلي، وخلق آلاف الوظائف للمواطنين من الجنسين، ورفع نسبة التوظيف وخفض معدل البطالة بين السعوديين. ويُتوقع أن يخلق المعرض فرصًا استثمارية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، ستنعكس إيجابًا على تكوين رأس المال الثابت للمملكة المتمثل في وسائل الإنتاج التي تشتمل على الأبنية والمنشآت والآلات والأجهزة والمواد الأولية وغيرها.

هذه المؤشرات الاقتصادية التي من المتوقع أن تحدثها استضافة المملكة لمعرض “الرياض إكسبو 2030” ، تندرج ضمن تطلعات المملكة إلى تحرير اقتصادها من الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل  وفقًا لـ “رؤية 2030” ، وذلك برفع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي من 18.7% إلى 50%، ورفع مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في إجمالي الناتج المحلي من 3.8% إلى 5.7% بحلول عام الرؤية.

لقد كانت متابعة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، على رأس الأسباب التي عزّزت الثقة العالمية بقدرة المملكة على استضافة هذا المعرض الضخم وغيره من المعارض الدولية، لا سيما أن معرضًا عالميًا بحجم إكسبو وضخامته، يتطلب تجهيزات ضخمة وجبارة، هي الأضخم على مستوى التجهيزات العالمية للمعارض.

فقد تابع سموه ملف ترشّح المملكة لاستضافة الرياض للمعرض خطوة خطوة، منذ بداية إعلان المملكة في 29 أكتوبر 2021م، عن تقدمها بطلب رسمي إلى المكتب الدولي للمعارض في فرنسا (BIE) المنظمة للمعرض. خاصة أن المملكة كانت قد أثبتت من خلال رؤيتها الطموحة 2030، قدرتها على تنفيذ مشاريع نوعية جبارة وضخمة من حيث المساحة والتجهيزات. وهذا الحدث الاستثنائي سيكون فرصة سانحة لتوجيه أنظار العالم صوب ما حققته المملكة خلال أعوام قليلة جدًا قياسًا بالعمر الزمني لإنجازات حضارية باهرة وغير مسبوقة، من حيث الفكرة والتصميم وأسلوب التشغيل، مثل مشروع “نيوم” و “ذا لاين” ، بكل تجهيزاتها النوعية والفريدة من نوعها.

مناسبة لتطوير فن العمارة واستعراضها

د. عبدالعزيز بن أحمد الحنش

 

في البداية، اعتمد تنظيم الإكسبو على مبادرات منفردة للدولة الراغبة في التنظيم. وكانت هي التي تضع الشروط بحسب قوانينها، وتجهز المعرض بكامله. وفي عام 1867م، بدأت الدول المشاركة في المعرض تبني أجنحتها. وفي 22 نوفمبر 1928م، وقّعت 31 دولة اجتمعت في باريس، اتفاقية تنظيم المعارض الدولية، ودخلت حيز التنفيذ في يناير 1931م. وجرت عدة تعديلات على الاتفاقية والإطار الحاكم لتنظيم المعارض الدولية من خلال المكتب الدولي للمعارض الذي استحدثته.

يُعد التطور في مجال العمارة والبناء والتشييد المرافق لمعارض الإكسبو، بالغ الأهمية على الصعيدين التقني والتاريخي. فقد ارتبطت المعارض بشكل جوهري ودائم بتاريخ هذه المباني وتطورها ونظمها الإنشائية، كما شكلت الفترة الزمنية، التي تطورت فيها معارض إكسبو الدولية، تطورًا إنتاجيًا على مستوى المباني العمرانية الضخمة التي نراها في مدننا اليوم. فمنذ انعقاد المعرض الأول عام 1851م في لندن، حتى يومنا هذا، شهد المعرض تطورات كبيرة في مجال البناء والتشييد تركت بصماتها حيثما أقيم هذا المعرض، ولاحقًا في عالم التصميم المعماري والبناء في أنحاء عديدة من العالم. فهناك تطور في هندسة الحديد في القرن التاسع عشر، واختراع الخرسانة المسلحة، وما تلاه من التطور الذي حدث في تصنيع الخرسانة المسلحة، وظهور الأخشاب ذات الالتصاق المقاوم للرطوبة كإحدى المواد المستخدمة في إنشاء فراغات هيكلية ضخمة؛ إضافة إلى الانتشار الواسع للهياكل ذات البحور الواسعة، وابتكار كابلات الشد والتغطيات الخيمية، وتطور الهياكل الهوائية، فضلًا عن الثورة في مجال علوم الحاسوب التطبيقية؛ وكلها أمور أدت إلى ظهور إنشاءات جديدة، وتجربة مواد جديدة، أو البحث في أشكال جديدة لم تكن موجودة من قبل من حيث المنتج المعماري النهائي.


عامل الثقة

زارت اللجنة الدولية للمعارض المدن التي كانت مرشَّحة، وعاينت إمكاناتها على أرض الواقع، وكان كل ما قد أُنجز خلال السنوات الماضية من تحديث البنية التحتية لمدينة الرياض والمدن السعودية الأخر في ميزان الملف السعودي، جنبًا إلى جنب مع التصميم المميز لمبنى المعرض ونقاط قوته التي ترتكز على الجمال والاستدامة والاشتراطات البيئية السليمة، إضافة إلى بعض العوامل التي عززت الثقة العالمية بقدرة المملكة على احتضان هذا المعرض العالمي الكبير. فالبداية الحقيقية لقصة هذا النجاح، تعود إلى لحظة إطلاق رؤية المملكة 2030، التي قادت إصلاحات غير مسبوقة في جميع المجالات، لقد استعدت المملكة بملف مُحكم، ساندته دبلوماسية قوية ودعم لا محدود ومتابعة شخصية من ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.


تميزت الفترة الأولى من هذا المعرض العالمي والممتدة من المعرض الأول في لندن عام 1851م حتى بداية القرن العشرين، بالمباني الضخمة التي استُخدِم فيها الحديد كمادة إنشائية قادرة على تلبية الاحتياجات المطلوبة لوظيفة الفراغ. ويعتبر “قصر الكريستال” الذي بُني للمعرض الكبير عام 1851م، أحد أبرز الأمثلة في هذه الفترة، والذي جمع أصالة تجربة الثورة الصناعية من حيث استخدام الحديد والزجاج بمقياس معياري يمكن معه إنتاج هذه المواد بكميات كبيرة قادرة على تقليص مدة البناء، والمساحة المستخدمة لعناصر الإنشاء في المبنى، خاصة أن هذا القصر من المباني الضخمة من حيث الأبعاد؛ إذ بلغ طوله ما يزيد على نصف كيلومتر. فهذا القصر البلوري مع برج إيفل، ونافورة مونتجويك السحرية في برشلونة، وإبرة الفضاء في سياتل، وأتوميوم في بروكسل، وغيرها من المنشـآت التي أُقيمت من أجل هذه المعارض الدولية واستمرت حتى وقتنا هذا؛ من أبرز الدلائل على دور هذه المعارض وما تقدمه للعمارة والعمران من حلول إبداعية.

تلا تلك البدايات توجهٌ كبير إلى المباني الصغيرة، وتوجهٌ نحو عرض الأعمال الزخرفية بمعزل عن جذورها الصناعية؛ نظرًا للأزمة الاقتصادية التي حدثت بسبب الحرب العالمية الأولى وتبعاتها. بينما أصبحت المعارض في النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد الحرب العالمية الثانية، تحكي قصة تطور وتقدم تكنولوجي على مستوى البناء والتشييد. ويتجلى هذا الجـانب بوضوح في المستوى الهائل من التقدم الذي أُحرز في معارض إكسبو الدولية من حيث التنوع في الأنماط الإنشائية والمواد الجديدة. وهناك تطور واضح للمنشآت المعتمدة على الشد والكابلات، والتغطيات الخيمية وغيرها من النماذج التي قدّمت في التوجه نحو المنشآت ذات المساحات الكبيرة لاستيعاب الحشود الكبيرة من الزوار، وذات الشفافية العالية لضمان الاتصال البصري فيها.

في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، لم يكن هناك تطور مهم في الأنماط البنائية والمعمارية الجديدة. فرغم أن المعارض تقدم نماذج وأشكالًا جديدة ناشئة عن الحرية التي تمنحها قدرات البرامج الحاسوبية، استمر الحفاظ على أنماط المباني، ولم تقدم المعارض سوى نماذج ذات ابتكار نحتي وتشكيلي، وتفتقر في الوقت نفسه إلى البرنامج الوظيفي المنضبط الذي يمكن أن يتوافق مع شكل الكتلة ونوعية الفراغات التي أُنتجت هنا. وفي المجمل، فقد أدى هذا الاتجاه إلى الاعتماد على برامج الحاسب وقدرته على المحاكاة والتصميم، إلى خلق فضاءات جديدة من الابتكار والإبداع، وجعلها قادرة على تصوير المستقبل لنا ومحاكاته ومحاولة فهم التصورات الناتجة منه.

تصميم إكسبو الرياض

سيُنظّم إكسبو الريـاض بالقرب من مطار الملك سلمان الدولي، الذي أُعلن عن تطويره في أواخر نوفمبر 2022م، ليكون البوابة الرئيسة للزوار القادمين إلى المعرض، وربطه بشبكة قطار الرياض التي تغطي كافة أرجاء المدينة، وتتصل بأحد مداخل المعرض الثلاثة؛ ليسهل الوصول إليه خلال دقائق معدودة. بالإضافة إلى ربط الموقع بشبكة الطرق الحديثة التي تشهد الرياض تطورها اليوم.

صُمّم المعرض ليُحاكي شكل الكرة الأرضية. وهو يتكون من 226 جناحًا من أجل توفير تجربة نوعية لا مثيل لها لأكثر من 40 مليون زائر. ويتوسط هذا التكوين خط يرمز إلى خط الاستواء، يدل على توجه المعرض إلى تأمين فرص متساوية لجميع المشاركين. كما أن النسيج العمراني للمعرض يحاكي النسيج العمراني التاريخي لمدينة الرياض من حيث التضام والتدرج في الأهمية على مستوى حجم المباني والفراغات العامة وشبكة المسارات العضوية.

ويحاول التصميم تقديم تجربة مريحة للزوار من خلال إمكانية التنقل والسير في المعرض في ممرات مظلّلة بالكامل ومصممة لتجسيد تراث المكان. بالإضافة إلى إضفاء روح الواحة الخضراء بشكل حديث وعصري بوصفها أحد الروافد الموجودة في الموقع من خلال وادي السلي الذي يمر عبر موقع المعرض؛ للتعبير عن حرص الرياض على الطبيعة وتنميتها بشكل مستدام، واهتمامها مع بقية عواصم العالم بالمناخ، وتعزيز الطموح لاستشراف مستقبل مليء بالإمكانات.

أبرز العناصر المميزة في قلب “إكسبو 2030” ، سيكون عبارة عن معلم بارز يرمز إلى المسؤولية عن حماية الكوكب، ويرتكز على 195 عمودًا تمثل عدد الدول المشاركة في المعرض. هناك ثلاثة أجنحة تحيط بهذا المعلم تعمل على إبراز موضوعات المعرض الفرعية المتمثلة في “غد أفضل” و “العمل المناخي” و “الازدهار للجميع”؛ إذ تتيح هذه المساحات مجالًا للابتكارات في العلوم والتكنولوجيا بما يعزز الصمود في وجه التحديات وخدمة البشرية. وكذلك دفع عجلة الابتكار والتعاون الدولي للحفاظ على النظام البيئي والموارد، والعمل على سد فجوة التفاوت والاختلافات العالمية من خلال مشاركة كل دولة من منظورها الثقافي وظروفها المحيطة وتطلعاتها لننعم معًا بازدهار للجميع. كما سيضم المعرض ركن التغيير التشاركي، وهو المساحة التي ستُخصّص لتكون محركًا للابتكار والإبداع، في أثناء رحلة بناء المعرض قبل انطلاقه في 2030م، والفترة التي تلي ذلك من أجل ضمان التعاون بين العقول المبتكرة القادرة على خلق ابتكارات علمية واجتماعية وفكرية، وتسريع التغييرات التي ستشكل المستقبل.

الموقع

يحتل موقع معرض “الرياض إكسبو 2030” مساحة 6.59 كيلومتر مربع، من بينها 3.38 كيلومتر مربع للمنطقة المسورة، و3.21 كيلومتر مربع لمناطق الراحة والمرافق، مثل مواقف السيارات المزوَّدة بخدمة النقل من الموقع وإليه، حيث خطط للموقع في منطقة إستراتيجية شمال الرياض بين مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية جنوبًا، ومطار الملك خالد الدولي شمالًا، ما يعني إمكانية الوصول إليه من أهم الوجهات في المدينة.

 

صُمّم معرض “الرياض إكسبو 2030” ، بشكل متناغم مع طبيعة الموقع؛ إذ يُخطَّط للاستفادة من الميزات الطبيعية للموقع ووجوده حول الوادي. كما وفر المصمم فراغات متنوعة وبمساحات مختلفة مع الالتزام بتخصيص جناح لكل دولة، حيث سيجري العمل من قبل المشاركين على تطوير الأجنحة بتجانس مع موضوع إكسبو الرئيس وموضوعاته الفرعية. كما سيتيح المعرض فرص الاستكشاف اللامحدودة من أجل إضفاء تجربة مستخدم رائعة للزوار، وتوفير بيئة تضمن لهم عيش تجربة الانتقال بأنفسهم إلى أي بلد في العالم، والتمتع بالأحداث الثقافية والترفيهية المتنوعة والمستمرة.

ولأن المملكة تسعى لأن تكون تجربة “إكسبو 2030” ، فريدة ومتمحورة حول الإنسان وبيئته ومستقبله، فقد حرصت على أن تكون هذه النسخة أكثر استدامة؛ لضمان الوفاء بالتزاماتها المناخية وتحييد الكربون وترك أقصى أثر إيجابي على البيئة في مدينة الرياض، وذلك من خلال تشغيل الموقع بواسطة الطاقة الشمسية، الأمر الذي يقدم معرضًا صديقًا للبيئة ذا مستوى صفري للانبعاثات الكربونية.

إن تطوير معايير رفيعة لإستراتيجيات الموارد وكفاءاتها، يضمن تعزيز التنوع البيولوجي، والحد من هدر الغذاء، وضمان إدارة النفايات الخضراء وإعادة تدويرها، وتشجير الساحات، واستخدام المياه المعالجة في الري. بالإضافة إلى وضع خطط تضمن استدامة الأجنحة المشاركة بعد انتهاء المعرض؛ للحد من الهدر الناتج من هذه المباني، التي عادةً ما تُترك بعد الانتهاء من فترة إقامة المعرض. إذ إن إكسبو الرياض سيمدّ يد العون في ختام المعرض إلى 100 دولة مُختارة لإعادة استخدام أجنحتها وتعديلها، بما يضمن استخدامها مدارس وعيادات طبية ومراكز بحثية في تلك الدول.

هوية مدينة ووطن

د. مشاري النعيم

 

تتغلغل الأحداث المهمة في شخصية المدينة وتبنيها تدريجيًا، وتُعدّل من جوهرها التاريخي وتُقدّم لها تاريخًا جديدًا يصنع لها حياة مغايرة عن تلك التي كانت تُقدّمها لسكانها. ويبدو أن المملكة مقبلة على هوية عمرانية وثقافية تحركها الأحداث الكبيرة التي تتطلب عمرانًا يتحدى العمران الحالي ويطوعه، كي يستوعب صورًا تفوق كل الصور التي اعتادتها المدن السعودية في السابق.

من المعروف، في وقتنا المعاصر، أن المدن تسعى إلى خلق بصمتها الخاصة، وهي بصمة تمتزج فيها العمارة مع النكهة الاجتماعية والثقافية للمدينة، وتظهر فيها الشخصية التاريخية والحرفية في الأمكنة الصغيرة والكبيرة. فما الذي سيتذكره الزائر من الرياض عندما يعود إلى بلده؟ وما الانطباع الذي لن ينساه من يُمضي أيامًا بين أزقة المدينة وفضاءاتها؟ هذه الأسئلة مجتمعة يمكن أن نوجهها إلى إكسبو الرياض الذي سيسهم، دون شك، في خلق بصمة جديدة للعاصمة، لن تتوقف عند فضاء المعرض، بل ستمتد إلى المدينة برمّتها، بل ربَّما إلى مدن أخرى في المملكة. ومع ذلك، يجب أن نذكر أن المسألة هنا تتجاوز الجانب التسويقي إلى الجانب الثقافي العميق، وهو ما يجب أن نضعه في حساباتنا دائمًا.

ولأن رؤية المملكة تتوافق مع موعد الاستضافة، فسيكون لوجود إكسبو في الرياض معنى رمزي مهم يعبّر عن التحوّل الكبير الذي تعيشه المملكة اليوم، ويُفترض أن يظهر بجلاء في المعرض. وهذا ما يجعلنا نبحث عن الأسباب التي تجعل المملكة حريصةً على أن تكون الرياض إحدى محطات هذا المعرض المهم، الذي استمر أكثر من 170 عامًا، والذي يُعتبر أحد السجلات المهمة لتطور العمارة والتقنية والصناعة، وحتى الثقافة التي أسهمت بها شعوب العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

ولنا أن نفكر في الفضاء العمراني الذي سينتُج من المعرض. فكما هو معروف، تركت جميع المعارض السابقة أثرًا عميقًا في المدن التي نظمتها، لكنها كذلك تركت أثرًا أعمق على الفكر والممارسة المعمارية وعلى الحرف والصناعات الصغيرة. إذ مثّل إكسبو دائمًا حالة عميقة لتوسيع حدود الأفكار والممارسات المعمارية والتقنية، وقدّم أفكارًا غيّرت من وجه العالم. والتصوّر الذي قدّمته الرياض لمعرض 2030، هو قرية من المستقبل فائقة التطور، ترتكز على تقنيات غير تقليدية، وتمد جذورها بثقة إلى الأصول التي قامت عليها المدن السعودية التاريخية ذات النظام الفراغي المتسلسل والصارم. إنه تصوّر يخاطب العالم بلغة السعوديين المعمارية والعمرانية، ويفترض أنها لغة جديدة لكنها عميقة وتفتح آفاقًا غير مسبوقة.

تميّز الإكسبو عن غيره من المناسبات العالمية

هناك مناسبات يلتف حولها الملايين والمليارات من البشر في العالم، تجعل العيون متعلقة بالدولة المنظمة. من تلك المناسبات كأس العالم والدورة الأوليمبية، وأقل منها مهرجانات الثقافة والسينما الكبيرة. لكن الإكسبو يختلف عن أي من هذه التجمعات؛ لأن لا يُقدم صورة البلد من وجه واحد، بل من كل الوجوه الحضارية، من الاقتصاد إلى الثقافة والفنون والإرث العمراني, كما يختلف عن المناسبات الأخرى بالأثر المستدام الذي يتركه خلفه للدولة المنظمة، ممثلًا في عمارة المعرض التي تبقى للأجيال التالية، وبترسيخ مكانة الدولة والأمة بين الأمم وتعزيز حضورها كوجهة للسياحة والاستثمار.

لم يكن إكسبو، منذ بدايته، مجرد معرض للدول ومنجزاتها التقنية والثقافية، بل كان تأريخًا لتطور الحضارة الإنسانية كل خمسة أعوام، الأمر الذي يجعل كثيرًا من الدول تحرص على أن تقدم أفضل ما لديها على المستوى المعماري والتقني والثقافي. ومن دون شك، هو مجال مفتوح للتنافس على المساهمة في خدمة البشرية. ولذا، فإن حصول الرياض على فرصة تنظيم “إكسبو 2030” ، هو نوع من تقديم “المملكة الجديدة” للعالم بكل ثقلها الحضاري والديني والتقني والاقتصادي.

وثمة اتفاق على أن فوز الرياض بتنظيم “إكسبو 2030” ، يستدعي الكثير من القضايا التي تتقاطع مع العمارة والتطوير الحضري، خصوصًا تلك التي تمس شخصية العمارة السعودية. ويُفترض أن يحث إكسبو على تغيير ثقافة ممارسة العمارة في المملكة من جذورها. والحدث يقول إننا مقبلون على مرحلة مختلفة من التفكير العمراني. فرغم أن إكسبو هو استعراض لعمارة العالم وثقافاته وتقنياته، فإن شخصية البلد المضيف يجب أن تكون الأبرز، خصوصًا إذا ما كان هذا البلد بحجم المملكة العربية السعودية وتأثيرها. هذا يعني أن “البصمة” الثقافية والتسويقية يجب أن تكون حاضرة في الأذهان في كل تفاصيل المعرض. ففي حين أنه حدث يمكن اعتباره حافزًا للسياحة، كذلك هو حدث يستدعي أن نفكر فيما يجب أن نقدمه للعالم، وما الجديد لدينا الذي سنجعل العالم يذكرنا به، مثلما حدث في بعض نسخ المعرض التي مثّلت منعطفات تاريخية في تطور الإنسان الحديث.

لصناعة جيل جديد من المعماريين

فريق القافلة

 

ومن الطموحات أن يدفع هذا الحدث مدارس العمارة صوب الثقافة التجريبية، التي تركز على اكتشاف القوة المحلية الكامنة في المعماريين السعوديين وفي المعرفة المحلية التي يمكن أن تكون قوة تقنية متجددة. ويُفترض أن يوجّه إكسبو، سؤالًا مباشرًا إلى مدارس العمارة في المملكة حول ماهية استعدادها لهذا الحدث، وماذا يمكن أن تقدم من أفكار وتقنيات تحاور بها العالم الذي سيتجمّع في عاصمتها. ولعل السؤال المباشر حول هذا التحدي هو: كيف يمكن أن يغيّر إكسبو ثقافة التعليم المعماري في المملكة؟

التحديات التي تواجه العمارة السعودية ليست مرتبطة بشكل مباشر بإكسبو بوصفه حدثًا مهمًا يجعلنا في منافسة مع ما سوف يقدمه العالم من عمارة. فالفرصة تبدو سانحة في السنوات المقبلة، لصناعة جيل يفكر في العمارة كحلقة وصل تربطه بالعالم؛ جيل يرتبط بجذوره، لكنه يعرف كيف يخاطب العالم من خلال العمارة التي ينتجها. فلطالما كانت العمارة لغة صامتة يجري فيها ومن خلالها تبادل الرسائل الثقافية والاجتماعية والجمالية بين الشعوب؛ لذلك يجب ألا ننظر إلى إكسبو على أنه مجرد معرض، بل هو حدث يصنع التغيير على المستوى العمراني والسياحي وحتى الثقافي والتعليمي.

دبيدو فرانسيس كيري

كانت العمارة دائمًا تقود التطورات التقنية والنقل والتخطيط العمراني، عبر هذا اللقاء الذي يحمل “التطورات الخمسية” التي تحدث في العالم مع كل إكسبو، وكانت التجارب الناشئة هي مفتاح التطور التقني والصناعي وبناء النظريات والأفكار المعمارية الجديدة. فهل استمر إكسبو في دوره؟ وهل لم يزل يقدم التجارب الجديدة التي ستقود التطورات العمرانية خلال السنوات المقبلة؟ لا أحد يجزم بما سيؤول إليه المعرض بعد كل هذه السنوات والتغيرات الكبيرة التي يخوضها العالم. لكن يمكننا أن نجري حوارًا حول “عمارة الإكسبو” كفضاء جامع للأفكار التي تخوض فيها دول العالم وتحاول من خلالها أن تعبر عن شخصياتها. ويمكننا القول إن التحول الكبير الذي حدث في إكسبو، أنه أصبح معرضًا لشخصيات المدن والدول، وأصبحت العمارة إحدى الأدوات التي تُصنع من خلالها هذه الشخصية. ربما هذا ما جعل التجارب الناشئة في مجال العمارة، تتراجع بعض الشيء لفتح المجال للأفكار التسويقية وصناعة المحتوى السياحي والتواصل الثقافي بين الدول المشاركة في المعرض.

في إكسبو دبي، بدا من مشاركات الدول أن العمارة تمر بمأزق كبير، وأن المستقبل يخبئ “غموضًا معماريًا وتقنيًا” غير مسبوق. وفي الوقت نفسه، أعلنت جائزة “بريتزكر” للعمارة، التي يعتبرها المعماريون جائزة نوبل المعمارية، عن الفائز عام 2021م، تزامنًا مع معرض دبي، وهو معماري شاب من بوركينا فاسو يُدعى ديبدو فرانسيس كيري؛ وذلك لأن هذا المعماري استطاع بأفكاره التصميمية التي نفذها بنفسه، تغيير الوضع العمراني والحياتي في قريته البسيطة من خلال تصاميم عميقة وبمواد محلية متفاعلة مع البيئة.

فرصة للعودة بالعمارة إلى إنسانيتها

المهمة بين العمارة الاستعراضية في إكسبو واحتفاء جائزة “بريتزكر” المرموقة بالتجربة المعمارية المحلية، تؤكد الفجوة الفكرية والمهنية الكبيرة بين التجارب المعمارية العميقة التي غيّرت شكل العالم خلال القرن الأخير، وبين السباق الإعلاني المحموم الذي بدأت تنتهجه مدارس العمارة المعاصرة. صراع كبير بين العمارة الاستعراضية التي تنحى منحى تسويقيًا، وبين التجارب البسيطة المؤثرة التي تفتح مجالات إنسانية واقتصادية جديدة. يبدو أن توجه جائزة “البريتزكر” كان رومانسيًا، وأن منح الجائزة لمعماري إفريقي يريد أن يقول: إن ممارسة العمارة المعاصرة وصلت إلى مرحلة أخرجتها عن دورها الحقيقي، وإن تجربة هذا المعماري، الذي يقبع في قريته البعيدة وربما لا يراها إلا قلة من الناس، أصبحت نادرة في عالمنا المعاصر. فاستمرار البعض في ممارسة العمارة الحقيقية، كما عهدناها عبر التاريخ، أصبح نادرًا ويستحق التقدير، فيما يُفترض أن يكون إكسبو هو المسرح الأكبر لعرض هذه التجارب.

شيجيرو بان

ومن التجارب الناشئة، ما شاهدناه في “إكسبو هانوفر” عام 2000م، عندما قدّم المعماري الياباني شيجيرو بان، تجربة فريدة ببناء جناح اليابان من الورق المقوّى المعاد تدويره. تلك المحاولة، رغم امتداداتها التقنية، عكست حسًا بالمسؤولية الإنسانية. فمثل هذه التجارب النادرة التي تبيّن كفاح الإنسان من أجل الاستدامة، ومن أجل خلق خيارات متعددة للشعوب الأقل حظًا في مواردها الطبيعية والاقتصادية؛ كانت تمثل روح الإكسبو عبر تاريخه الطويل. ويُفترض أن يكون هذا الهدف هو طموح إكسبو الرياض، وأن يرتبط بالرياض الخضراء والسعودية الخضراء، وأن يبعث بالقيم التي يؤمن بها السعوديون وقد شكلت جوهر رؤية بلادهم 2030.

لا نستطيع أن نتجاوز أن إكسبو في نسخه الأخيرة، صار يعمل على ترسيخ الهوية المعمارية التسويقية مقارنة بأي رسائل أخرى، وأن القضايا المعمارية الكبيرة التي كانت تشغل المهتمين بهذا المجال تراجعت بشكل واضح، وتحتاج إلى أن تُبعث من جديد. إكسبو الرياض سيكون في مواجهة كل هذه القضايا التي تعتمل في أذهان المهتمين، وهي فرصة سانحة لتأكيد رؤية سمو ولي العهد، حول الشرق الأوسط الأخضر والقيم المرتبطة بجودة الحياة التي تشكل مفصلًا مهمًا في رؤية المملكة 2030. والإجابات التي يُفترض أن يقدمها هذا المعرض هي كيف أسهمت رؤية المملكة في خلق شخصية جديدة للسعودية والسعوديين، ليس على مستوى الحياة الاجتماعية الثقافية فقط، بل على مستوى التفكير والإبداع، وهذا قد يحمّل المعرض حملًا ثقيلًا، بيْدَ أنه يستحق العناء.

معالم من تاريخ الإكسبو

فريق القافلة

 

قصر الكريستال.. ما تبقى من الأسطورة

أقيم الإكسبو الأول في هايد بارك بلندن عام 1851م، لتتواصل مسيرة المعرض الذي صار مناسبة للتقارب وعرض منجزات البشرية في مختلف الفنون والعلوم والصناعات. وزاره نحو 6 ملايين شخص، واُستخدمت إيراداته في بناء كان تصميم المعرض الذي حمل اسم قصر الكريستال (Crystal palace) مذهلًا بالنسبة إلى توقيته، ولم يكن من الكريستال بالطبع، بل من عوارض الحديد وألواح الزجاج. الفكرة الأساسية للتصميم وضعها جوزيف باكستون، وهو ليس معماريًّا، بل عالم نبات. لكن اللجنة التنفيذية للمبنى ضمت العديد من المهندسين.متحف فيكتوريا وألبرت الشهير.

كان تصميم المعرض الذي حمل اسم قصر الكريستال (Crystal palace) مذهلًا بالنسبة إلى توقيته، ولم يكن من الكريستال بالطبع، بل من عوارض الحديد وألواح الزجاج. الفكرة الأساسية للتصميم وضعها جوزيف باكستون، وهو ليس معماريًّا، بل عالم نبات. لكن اللجنة التنفيذية للمبنى ضمت العديد من المهندسين.

في العام التالي للمعرض رتب باكستون لنقل القصر من هايدبارك إلى سيندهام، وهي منطقة زراعية في جنوب لندن، وجرت توسعة مساحته في المكان الجديد ليصبح أكبر مبنى في العالم.

وفي عام 1936م، نشب حريق كبير أتى على المبنى، ولم يُعرف مصدر الحريق قط. وما تبقّى من القصر هو المبنى الذي شيّدته الشركة المسؤولة عن القصر عام 1880 كقاعة محاضرات لمدرسة الهندسة التابعة لها. لكن المبنى لم يحترق على أية حال، إلا بعد أن ساهم في تنمية المنطقة ومنحها اسمها.


برج إيفل وباريس.. محبة بعد العداوة

الوقت المحدود بين فوز مدينة بتنظيم المعرض وتاريخ إقامته، يستنفر الطاقات لتجهيز الإنشاءات. ولم يكن معرض باريس الصناعي عام 1889م استثناء. تزامن المعرض مع مرور 100 عام على الثورة الفرنسية، فكان الاحتفال مزدوجًا، وكان لا بد للمعرض من بناء عظيم يكون أيقونة المعرض، ولم يكن هذا سوى برج إيفل، الذي صمّمه المهندس الشهير ألكسندر غوستاف إيفيل، ليكون مدخل المعرض.

في يناير من عام 1887م، بدأ العمل بالبرج، وفي غضون عامين كانت 18 ألف قطعة حديد ومليونان ونصف المليون مسمار، قد تحولت إلى البرج الذي صار رمزًا تاريخيًا فرنسيًا.

عقب المعرض احتدم النقاش حول برج إيفل، وطالب البعض بضرورة إزالته لأسباب منها الشك في متانته، وتنافره مع عمارة باريس الباذخة. لكنه نجا، وأصبح أيقونة العاصمة الفرنسية، يزوره سنويًا في المتوسط سبعة ملايين سائح، في حين كان عدد زوار المعرض عام 1889م مليوني زائر.


برشلونة هبة الإكسبو

من السنوات المميزة في تاريخ الإكسبو، كان معرض برشلونة عام 1888م، الذي جعل المدينة ما بعده تختلف عما كانت عليه قبله. فقد كان المعرض استعراضًا للثقافة الإسبانية والكتلانية، وخصوصًا في فن العمارة؛ إذ شارك فيه العديد من المعماريين الإسبان المميزين، ومن بينهم

أيقونة العمارة الكتلانية أنطونيو غاودي، الذي وُضعت أعماله تحت الضوء وذاع صيته العالمي بعد هذا المعرض. ومن أهم منجزات غاودي، كاتدرائية ساغرادا فاميليا ببرشلونة، التي بدأ بناؤها عام 1882م، ولم تكتمل حتى اليوم، لكنها تعكس أسلوب غاودي في تطويع أكثر من طراز معماري ودمجها.


موعد مع المترو!

لا يترك الإكسبو الأيقونات المعمارية للمدن التي تستضيفه فحسب، بل أيضًا مشروعات تنمية مستدامة من بينها مشروعات النقل العام. فقد شهد إكسبو 1900م، افتتاح مترو باريس الذي تحوّل إلى عصب النقل فيها، كما شهد إكسبو 1967م افتتاح مترو مونتريال، وشهد إكسبو 1998م تطوير مترو لشبونة.


البصمة الأمريكية

في معرض فيلاديلفيا 1876م، عرض ألكسندر غراهام بيل، أول هاتف نتيجة لأبحاثه في مجال أجهزة السمع، مدفوعًا بصمم والدته وزوجته. وترك بيل الهاتف للعالم، ورفض إدخاله إلى مكتبه حتى لا يشغله عن أبحاثه!
كما ظهرت في المعرض نفسه بصمة الاستهلاك الأمريكي في شكل أطعمة غزت العالم فيما بعد كالفشار والكاتشب.


حلم شنغهاي

في معرض شنغهاي الصينية 2010م، جرى الإعلان عن يوم عالمي للمدن واُحتفِل به للمرة الأولى، وكان شعار المهرجان “مدينة أفضل لحياة أفضل” يعكس طموح شنغهاي لتكون من أهم مدن القرن الحادي والعشرين، وفاق عدد زوار المعرض سبعين مليون زائر.