Hero image

أكثر من رسالة: لإنقاذ التربية من مطبات الثورة الرقمية

مايو - يونيو 2023

يوليو 24, 2023

شارك

رغم التحولات التقنية التي تتوجها الثورة الرقمية الحالية‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يشتغل‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والاجتماع‭ ‬والسياسة‭ ‬والتربية‭ ‬والتعليم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مؤسسات‭ ‬تم‭ ‬بناؤها‭ ‬وفق‭ ‬تصور‭ ‬كلاسيكي‭ ‬للزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والإنسان. ‬لعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬الإقرار‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬تقريبًا‭ ‬بوجود‭ ‬أزمة‭ ‬حقيقية،‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل،‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬أسباب‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬حسب‭ ‬الفيلسوف‭ ‬ميشيل‭ ‬سير ‬1935- 2019م هو‭ ‬استمرار‭ ‬اشتغال‭ ‬مؤسسة‭ ‬التعليم‭ ‬بمنطق‭ ‬تصوّر‭ ‬تجاوزه‭ ‬الزمن،‭ ‬فإن‭ ‬ثانيها‭ ‬هو‭ ‬انتقال‭ ‬منطق‭ ‬الرداءة‭ ‬والتسطيح‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬الإنترنت‭ ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬المدرسة. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الأزمة،‭ ‬إذ‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬الحاضر،‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬القطيعة‭ ‬معه‭ ‬وتجاوزه‭ ‬نحو‭ ‬الأحسن‭.‬

الأزمة‭ ‬والقطيعة

كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬انتظار‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد-19 ‬لتظهر‭ ‬بوادر‭ ‬القطيعة‭ ‬وتجاوز‭ ‬نمط‭ ‬اشتغال‭ ‬المؤسسات‭ ‬بطريقة‭ ‬كلاسيكية،‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والاجتماع‭ ‬والسياسة‭ ‬والتربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬نحو‭ ‬أنماط‭ ‬وآفاق‭ ‬جديدة‭ ‬تتيحها‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬المعاصرة. ‬هكذا‭ ‬عشنا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬الفعل‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬عوضًا‭ ‬عن‭ ‬الفعل‭ ‬الحضوري‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعمل‭ ‬والسياسة‭ ‬وبصفة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم‭ ‬والتكوين. ‬لكن‭ ‬النتائج‭ ‬المرحلية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬التوقعات.‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬جوهر‭ ‬المسألة‭ ‬يتجاوز‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تقني،‭ ‬أي‭ ‬الأدوات‭ ‬والأجهزة،‭ ‬ويقبع‭ ‬في‭ ‬التصور‭ ‬وفي‭ ‬الخلفية‭ ‬الفلسفية‭ ‬العامة‭ ‬الكونية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬عليهما‭ ‬التعليم‭ ‬والتربية‭.‬

فمن‭ ‬الثوابت‭ ‬الأساسية‭ ‬المسلم‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬التربية‭ ‬المدرسية‭ ‬أو‭ ‬المؤسسية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ركيزة‭ ‬رئيسة‭ ‬هي‭ ‬إنتاج‭ ‬التفوق‭ ‬والتميز‭ ‬والتفرد،‭ ‬بينما‭ ‬تتعارض‭ ‬هذه‭ ‬الركيزة‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬اشتغال‭ ‬المواد‭ ‬والمعطيات‭ ‬والمعلومات‭ ‬نقول‭ ‬المعلومات‭ ‬وليس‭ ‬المعارف‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬الولوج‭ ‬إليها‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬للاتصال‭ ‬التي‭ ‬يزداد‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها‭ ‬باطراد‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الأطفال‭ ‬والناشئين. ‬ففي‭ ‬مقابل‭ ‬التميز‭ ‬والتفرد‭ ‬كمعيار‭ ‬للتفوق‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬المدرسي،‭ ‬تسود‭ ‬متلازمة‭ ‬النسخ‭ ‬و‭‬التكرار والاجترار‭،‬ في‭ ‬مجال‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬متعددة‭ ‬الوسائط‭ ‬صوتًا‭ ‬وصورة‭ ‬وكتابة.

فمنذ‭ ‬ظهور‭ ‬الكتابة‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالطباعة،‭ ‬صارت‭ ‬الموضوعات‭ ‬والأفكار‭ ‬تُعطى‭ ‬وتقدم‭ ‬وتسوق‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬معطيات‭ ‬متسلسلة‭ ‬ومتتالية.‭ ‬هذه‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها،‭ ‬لكننا‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬صرنا‭ ‬أمام‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬يطبعه‭ ‬التكرار‭ ‬والاستنساخ‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬بشكل‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وصفته‭ ‬الرئيسة‭ ‬هي‭ ‬الاجترار، حيث‭ ‬صار‭ ‬يُقاس‭ ‬نجاح‭ ‬المادة‭ ‬المعروضة‭ ‬والمتداولة،‭ ‬أو‭ ‬المتقاسمة،‭ ‬بعدد‭ ‬الزيارات‭ ‬والمشاهدات‭ ‬والتكرار‭ ‬و‭‬اللايكات ‬لا‭ ‬بعمق‭ ‬المادة‭ ‬وأهميتها‭ ‬الفكرية‭ ‬والمعرفية‭ ‬والفنية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬كليًا‭ ‬مع‭ ‬التربية‭ ‬وما‭ ‬تحيل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تفرد‭ ‬وتميز‭ ‬وأصالة‭.‬

لا‭ ‬غرابة‭ ‬إذًا‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأصوات‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬المعطى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات. ‬لكن،‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المشكل‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬مظهر‭ ‬لتحول‭ ‬عميق؟

تحول‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬الذات

إن‭ ‬هذه‭ ‬الضحالة‭ ‬المُعمَمَة‭ ‬لا‭ ‬تشكِّل‭ ‬سوى‭ ‬الوجه‭ ‬الأول‭ ‬الظاهر‭ ‬لأزمة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المعاصرة،‭ ‬أما‭ ‬وجهها‭ ‬الآخر‭ ‬فينبغي‭ ‬تعقبه‭ ‬للكشف‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تمنح‭ ‬نفسها‭ ‬للملاحظة‭ ‬المباشرة. ‬لقد‭ ‬لحق‭ ‬بمفهوم “‬الذات” ‬تَحوُل‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬المعاصرة.‬‭ ‬فإلى‭ ‬عهد‭ ‬قريب،‭ ‬كان‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى “‬الذات”‭ ‬بأنها‭ ‬الوحيدة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بما‭ ‬يُسمى “عمليات‭ ‬ذهنية‭ ‬كبرى” ‬أو “ملكات‭ ‬عليا”‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬التذكر‭ ‬والاستدلال‭ ‬والتخيل. ‬لكن‭ ‬اليوم،‭ ‬لم‭ ‬تعد “‬الذات” ‬وحدها‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬إنجاز‭ ‬تلك‭ ‬العمليات،‭ ‬بل‭ ‬أصبح “الموضوع”‬،‭ ‬ممثلًا‭ ‬في‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬أو‭ ‬الهاتف‭ ‬الذكي،‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الإنجاز‭ ‬بكفاءة‭ ‬وقدرات‭ ‬تتجاوز‭ ‬أحيانًا‭ ‬قدرات‭ ‬الذات‭ ‬البشرية. ‬يدعونا‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد،‭ ‬حسب‭ ‬الفيلسوف‭ ‬ميشيل‭ ‬سير،‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬مفهوم “إنسانية” ‬جديدة. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬المجهودات‭ ‬المبذولة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬حقيقية‭.‬

تعيش‭ ‬الأنظمة‭ ‬التربوية‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته “وضعية‭ ‬عدم‭ ‬تلاؤم” بين‭ ‬تصور‭ ‬قديم‭ ‬يعبِّئ‭ ‬تلك‭ ‬المجهودات‭ ‬والموارد‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعداد‭ ‬وتكوين “ذات‭ ‬فردية” ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنها‭ ‬مركز‭ ‬وجوهر‭ ‬وأصل‭ ‬العمليات‭ ‬والملكات‭ ‬العقلية‭ ‬الكبرى،‭ ‬بينما‭ ‬الوضعية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬الذات‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬الذهنية‭ ‬الكبرى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬حكرًا‭ ‬عليها‭ ‬وحدها. ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الآلة‭ ‬أو‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬تشاركها‭ ‬وتزاحمها‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بتلك‭ ‬العمليات. ‬ألم‭ ‬يَقْوَ‭ ‬الحديث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي؟

فهل‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬للذات‭ ‬وللإنسان‭ ‬شيء؟‭ ‬يجيب‭ ‬ميشيل‭ ‬سير‭ ‬على‭ ‬الفور: “أبدًا‭ .” ‬بالعكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تمامًا،‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يتبقى‭ ‬للإنسان‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬شيء. ‬فعوض‭ ‬أن‭ ‬يكرس‭ ‬الإنسان‭ ‬جهده‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬المعلومات‭ ‬وتذكرها‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بسلاسل‭ ‬طويلة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬المبرهنات،‭ ‬سيكرس‭ ‬جهده‭ ‬ووقته‭ ‬لممارسة‭ ‬ذكائه‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬أيضًا‭ ‬الروائي‭ ‬والأكاديمي‭ ‬المغربي‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬مبارك‭ ‬ربيع،‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب “المدرسة‭ ‬والذكاء”‬،‭ ‬الذي‭ ‬يشدد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تنمية‭ ‬الذكاء‭ ‬عبر‭ ‬المدرسة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تجاوز‭ ‬العائق‭ ‬التعليمي‭ ‬الحالي. ‬فالزمن‭ ‬التعليمي‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬نظره‭ ‬فرصة‭ ‬لصناعة‭ ‬الذكاء. ‬وعند‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬وغيرها،‭ ‬والدول‭ ‬المبتكرة‭ ‬وغير‭ ‬المبتكِرة،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المدرسة‭ ‬هي‭ ‬المصنع‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬الذكاء‭ ‬أو‭ ‬يقلل‭ ‬منه‭ ‬وينقصه. ‬فالوضع‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬المدرسة‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬وظيفتها.

‬فالظاهر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬الولوج‭ ‬بسهولة‭ ‬إلى‭ ‬المعارف‭ ‬والمعطيات،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬ما‭ ‬يتيحه‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬تيسير‭ ‬العمليات‭ ‬الذهنية‭ ‬العليا‭ ‬مثل‭ ‬التذكر‭ ‬والاستدلال‭ ‬والتخيل. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الفرص‭ ‬كلها،‭ ‬عوضًا‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬الذكاء،‭ ‬فهي‭ ‬تحرفه‭ ‬وتجمحه،‭ ‬بينما‭ ‬يفترض‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬يمضيها‭ ‬المتعلم‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬عاملًا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الذكاء‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬أمرين‭ ‬يبعثان‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬رغم‭ ‬مظاهر‭ ‬الأزمة: ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬السائرة‭ ‬تدريجيًا‭ ‬في‭ ‬المفاهيم‭ ‬الفلسفية‭ ‬الكبرى‭ ‬وفي‭ ‬أنماط‭ ‬اشتغال‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المعنيين‭ ‬المباشرين،‭ ‬أي‭ ‬الأطفال،‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬تكيفًا‭ ‬وتأقلمًا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬للاتصال‭ ‬المتداولة‭ ‬اليوم‭.‬

لعل‭ ‬هذا‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬إجابتين‭ ‬جديدتين‭ ‬عن‭ ‬سؤالين‭ ‬قديمين‭ ‬هما: ‬ما‭ ‬هو‭ ‬العلم؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬التقنية؟‭ ‬فالعلم‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يعلمه‭ ‬الراشد‭ ‬للطفل،‭ ‬أما‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬فهي‭ ‬ما‭ ‬يلقنه‭ ‬الطفل‭ ‬اليوم‭ ‬للراشد. ‬لذلك،‭ ‬ليست‭ ‬المسألة‭ ‬الأساس‭ ‬المطروحة‭ ‬والمستعجلة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التربوي‭ ‬هي‭ ‬منع‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬استعمال‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬بدعوى‭ ‬عقلنة‭ ‬هذا‭ ‬الاستعمال،‭ ‬كما‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬معظم‭ ‬الأسر. ‬وإنما‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدوائر‭ ‬العالمية‭ ‬المسؤولة‭ ‬والمؤهلة‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬والتقنين‭ ‬للعالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬للتقليل‭ ‬من‭ ‬الإغراق‭ ‬والاستغراق‭ ‬في‭ ‬التكرار‭ ‬والاجترار‭.‬