Hero image

روبوتات تتكاثر ذاتيًا

مايو - يونيو 2023

يوليو 23, 2023

شارك

قبل‭ ‬100‭ ‬سنة،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬عام ‭‬1921م،‭ ‬عُرضت‭ ‬مسرحية‭ ‬بعنوان (إنسان‭ ‬روسوم‭ ‬الآلي‭ ‬العالمي) ‬للكاتب‭ ‬التشيكي‭ ‬المعروف‭ ‬كاريل‭ ‬تشابيك،‭ ‬وصف‭ ‬فيها‭ ‬آلات‭ ‬حية ‭‬(روبوتات)‭ ‬مكوّنة‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬ودم،‭ ‬استلهمها‭ ‬من‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الناشئة‭ ‬في‭ ‬زراعة‭ ‬الأنسجة‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬الحي. ‬وقد‭ ‬طمس‭ ‬تشابيك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسرحية‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الهندسة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الحيوية‭ ‬بطريقة‭ ‬بدت‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬تقنيات‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

يقدّم‭ ‬لنا‭ ‬تشابيك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسرحية‭ ‬الإنسان‭ ‬العالِم‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصنعه‭ ‬يداه،‭ ‬فيخرج‭ ‬لنا‭ ‬الإنسان‭ ‬الآلي‭ ‬الذكي‭ ‬والقوي. ‬ولكن‭ ‬الزمام‭ ‬أفلتَ‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الآلة،‭ ‬فطغت‭ ‬وتسلّطت‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بإخراجها‭ ‬إلى‭ ‬حيّز‭ ‬الوجود. ‬وفي‭ ‬النهاية،‭ ‬تستولي‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وتسخّر‭ ‬الإنسان‭ ‬الوحيد‭ ‬الباقي‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬طريقة‭ ‬لتكاثرها‭.‬

يعود‭ ‬استعمال‭ ‬كلمة (الإنسان‭ ‬الآلي) (‬روبوت)‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭ ‬في‭ ‬النمسا‭ ‬وهنغاريا،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬السخرة‭ ‬في‭ ‬مزارع‭ ‬الإقطاعيين‭ ‬والنبلاء. ‬وكلمة‭ (‬Robot‭) ‬مشتقة‭ ‬من‭ ‬الفعل‭ (‬robit‭) ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬التشيكية‭ ‬حيث‭ ‬تعني‭ ‬‮ العمل‮. ‬وبعد‭ ‬عا‭‬م 3291م،‭ ‬وفي‭ ‬إثر‭ ‬ظهور‭ ‬مسرحية “إنسان‭ ‬روسوم‭ ‬الآلي‭ ‬العالمي‮”‬،‭ ‬أصبحت‭ ‬العبارة‭ ‬تُطلق‭ ‬إما‭ ‬على‭ ‬الآلات‭ ‬الميكانيكية‭ ‬ذات‭ ‬التركيب‭ ‬المعقد‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الدقة‭ ‬والحساسية‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬تشبه‭ ‬الإنسان،‭ ‬وإما‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بأعمال‭ ‬روتينية‭ ‬أو‭ ‬حركات‭ ‬ميكانيكية‭ ‬بحتة،‭ ‬حتى‭ ‬ليخيّل‭ ‬إلينا‭ ‬أنه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الآلة‭ ‬التي‭ ‬يديرها‭.‬

وما‭ ‬تخيّله‭ ‬تشابيك‭ ‬يتجلّى‭ ‬اليوم‭ ‬بعمقه‭ ‬في‭ ‬الاختراق‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬حققته‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬جامعات،‭ ‬وهي‭ ‬جامعة فيرمونت ‬وجامعة ‭‬تافتس‮ ‬وجامعة ‬هارفارد،‭ ‬الذين‭ ‬أعادوا‭ ‬توظيف‭ ‬الخلايا‭ ‬البيولوجية‭ ‬لإنشاء‭ ‬ما‭ ‬يُسمى “بالروبوتات‭ ‬الحية‭” (‬Xenobots‭)‬، ‬وهي‭ ‬مزيج‭ ‬جديد‭ ‬تمامًا‭ ‬من‭ ‬الآلة‭ ‬والكائن‭ ‬الحيّ. ‬وتُعد‭ ‬النُظم‭ ‬الحية‭ ‬هي‭ ‬الأقوى‭ ‬والأكثر‭ ‬دعمًا‭ ‬للحياة‭ ‬البشرية‭ ‬مقارنة‭ ‬بأي‭ ‬تقنية‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭ ‬الآن. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬قدرتنا‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬أشكال‭ ‬حية‭ ‬جديدة‭ ‬تقتصر‭ ‬حاليًا‭ ‬على‭ ‬الخلايا‭ ‬والأنسجة‭ ‬العُضوية ‭ (‬Organoids‭)‬المهندسة‭ ‬بيولوجيًا‭ ‬في‭ ‬المختبر‭.‬

وقد‭ ‬تطوّرت‭ ‬تقنيات‭ ‬الروبوتات‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬الآلات‭ ‬النموذجية‭ ‬قادرة‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬مشابهة‭ ‬حركة‭ ‬وسلوك‭ ‬الإنسان‭ ‬والحيوان‭ ‬بطرق‭ ‬مثيرة‭ ‬للدهشة‭.‬

واليوم،‭ ‬تمكّن‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬ابتكار‭ ‬روبوتات‭ ‬حية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النظم،‭ ‬ويعتقدون‭ ‬بأنها‭ ‬قد‭ ‬تحدث‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬التجديدي‭ ‬وعلاج‭ ‬الأمراض‭ ‬ومقاومة‭ ‬الشيخوخة،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬استخدامها‭ ‬المحتمل‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬البيئية‭.‬

البداية‭ ‬في‭ ‬السيليكون

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية‭ (‬Xenobots‭) ‬جديدة،‭ ‬ولكنها‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تطورات‭ ‬سابقة؛‭ ‬إذ‭ ‬يعود‭ ‬استلهامها‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬عام ‭‬1994م‭ ‬عندما‭ ‬كشف‭ ‬كارل‭ ‬سيمز، ‬فنان‭ ‬رسومات‭ ‬الحاسوب،‭ ‬النقابَ‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬مخلوقات‭ ‬افتراضية‭ ‬في‭ ‬العالم. ‬وقد‭ ‬صمّم‭ ‬سيمز‭ ‬كائناته‭ ‬الافتراضية‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬رسوم‭ ‬حاسوبية‭ ‬متحركة‭ ‬يقوم‭ ‬كل‭ ‬كائن‭ ‬افتراضي‭ ‬بأداء‭ ‬مهمة‭ ‬بسيطة‭ ‬تحاكي‭ ‬المهام‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭ ‬مثل: ‬القفز‭ ‬والسباحة‭ ‬والقتال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مكعب. ‬ومن‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬افتراضيًا‭.‬

بالطبع،‭ ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬كائنات‭ ‬السيد‭ ‬سيمز‭ ‬أماكنها‭ ‬الافتراضية‭ ‬في‭ ‬الحاسوب‭ ‬العملاق‭ ‬أبدًا. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬عام ‭‬2000م،‭ ‬اتخذت‭ ‬المخلوقات‭ ‬الافتراضية‭ ‬خطوة‭ ‬أولى‭ ‬في‭ ‬انتقالها‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬السيليكون‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬الدكتور‭ ‬ليبسون‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬برانديز،‭ ‬وزميله‭ ‬عالم‭ ‬الروبوتات‭ ‬جوردان‭ ‬بولاك،‭ ‬بتوصيل‭ ‬خوارزمية‭ ‬يمكنها‭ ‬تطوير‭ ‬أدواتها‭ ‬البسيطة‭ ‬إلى‭ ‬طابعة‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأبعاد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬الآلات‭ ‬من‭ ‬البلاستيك‭.‬

وفيما‭ ‬بعد،‭ ‬بدأ‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الثلاث‭ ‬آنفة‭ ‬الذكر‭ ‬وهم: ‬سام‭ ‬كريجمان‭ ‬ودوغلاس‭ ‬بلاكيستون‭ ‬ومايكل‭ ‬ليفين‭ ‬وجوش‭ ‬بونجارد،‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬تصميم‭ ‬وإنشاء‭ ‬أول‭ ‬روبوتات‭ ‬حية‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬الألف‭ ‬إلى‭ ‬الياء،‭ ‬وبتمويل‭ ‬جزئي‭ ‬من‭ ‬وكالة (‬داربا)‭‬، ‬جناح‭ ‬الأبحاث‭ ‬المستقبلية‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭.‬

دور الحوسبة العملاقة

لتصميم‭ ‬هذه‭ ‬الكائنات‭ ‬الآلية‭ ‬الجديدة،‭ ‬أمضى‭ ‬الباحثون‭ ‬أشهرًا‭ ‬في‭ ‬المعالجة‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬الحواسيب‭ ‬العملاقة ‭ ‬Deep Green‭ ‬ في‭ ‬مركز‭ ‬الحوسبة‭ ‬المتقدمة‭ ‬التابع‭ ‬لجامعة‭ ‬فيرمونت. ‬فقد‭ ‬حاكى‭ ‬العلماء‭ ‬أولًا‭ ‬التكوينات‭ ‬المحتملة‭ ‬للخلايا‭ ‬البيولوجية‭ ‬الفردية‭ ‬على‭ ‬الحاسوب‭ ‬العملاق،‭ ‬واستخدموا‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬الخوارزمية‭ ‬التطورية‭ ‬لاختبار‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الاحتمالات‭ ‬والعثور‭ ‬على‭ ‬أحسن‭ ‬التصاميم‭ ‬المرشحة،‭ ‬وأفضلها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الفيزياء‭ ‬الحيوية‭ ‬المعروفة‭ ‬للخلايا‭ ‬البيولوجية،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬خلايا‭ ‬جلد‭ ‬وقلب‭ ‬الضفدع‭ ‬الإفريقي‭ ‬ذي‭ ‬المخالب. ‬وكانت‭ ‬التصميمات‭ ‬المختلفة‭ ‬للروبوتات‭ ‬تُبنى‭ ‬من‭ ‬مكعبات‭ ‬لعبة‭ ‬الليغو‭.‬

وقال‭ ‬الباحثون‭ ‬إن‭ ‬العملية‭ ‬كانت‭ ‬كثيفة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الحاسوبية. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لكي‭ ‬ينجز‭ ‬هؤلاء‭ ‬مهمة‭ ‬معينة‭ ‬تصميميًا،‭ ‬كالتحرك‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد،‭ ‬يُعيد‭ ‬الحاسوب‭ ‬العملاق‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬أخرى‭ ‬تجميع‭ ‬بضع‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الخلايا‭ ‬التي‭ ‬تحاكي‭ ‬أشكالًا‭ ‬مختلفة‭ ‬لأجسام‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية. ‬وبعد‭ ‬ذلك،‭ ‬تحذف‭ ‬الخوارزمية‭ ‬التصاميم‭ ‬التي‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬تصميمها‭ ‬وتحتفظ‭ ‬بالتصاميم‭ ‬الناجحة. ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬كان‭ ‬البقاءُ‭ ‬للأصلح‭ ‬داخل‭ ‬الحاسوب‭.‬ وبعد‭ ‬100‭ ‬عملية‭ ‬مستقلة‭ ‬للخوارزمية،‭ ‬اختار‭ ‬الباحثون‭ ‬آنذاك‭ ‬أكثر‭ ‬التصميمات‭ ‬الواعدة‭ ‬للاختبار‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬بيولوجية. ‬وقد‭ ‬قُيّمت‭ ‬هذه‭ ‬التصميمات‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬افتراضية‭ ‬تحاكي‭ ‬نفس‭ ‬الظروف‭ ‬الفيزيائية‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬وذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬برامج‭ ‬المحركات‭ ‬الفيزيائية‭.‬

من‭ ‬الخوارزميات‭ ‬إلى‭ ‬الحياة

بمجرد‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬الأشكال (‬التصاميم)‭ ‬القابلة‭ ‬للتطبيق،‭ ‬استخدمها‭ ‬الباحثون‭ ‬لبناء‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية. ‬وفعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬كشط‭ ‬الخلايا‭ ‬الجذعية‭ ‬من‭ ‬أجنة‭ ‬الضفادع‭ ‬الإفريقية‭ ‬من‭ ‬النوع ‭(‬Xenopus leavis‭)‬. ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬تسميتها‭ ‬بـ‭(‬Xenobot‭)‬ ‬أي‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬أُخذت‭ ‬منه‭ ‬الخلايا‭ ‬الجذعية. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬بدت‭ ‬تسمية‭ ‬مناسبة‭ ‬أيضًا‭ ‬بسبب‭ ‬علاقتها‭ ‬بالكلمة‭ ‬اليونانية (‬Xenos)‮‬، ‭‬التي‭ ‬تعني “غريب” ‬أو “أجنبي”‬، ‭‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخلايا‭ ‬تفعل‭ ‬أشياء‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬مخطط‭ ‬الجسم‭ ‬الجينومي‭ ‬الافتراضي‭.‬

وبعد‭ ‬عملية‭ ‬الكشط‭ ‬والجمع،‭ ‬فُصلت‭ ‬هذه‭ ‬الخلايا‭ ‬إلى‭ ‬خلايا‭ ‬مفردة‭ ‬وتُركت‭ ‬للاحتضان. ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وباستخدام‭ ‬ملقط‭ ‬صغير‭ ‬وقطب‭ ‬كهربائي‭ ‬مجهري،‭ ‬تم‭ ‬تقطيع‭ ‬الخلايا‭ ‬وربطها‭ ‬تحت‭ ‬المجهر‭ ‬ونحتها‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬تصاميم‭ ‬صُممت‭ ‬بواسطة‭ ‬الكمبيوتر. ‬ثم‭ ‬بدأت‭ ‬الخلايا‭ ‬التي‭ ‬رُكبت‭ ‬في‭ ‬قوالب‭ ‬جسمية‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬بالعمل‭ ‬معًا. ‬وكانت‭ ‬الروبوتات‭ ‬بعرض‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬المليمتر 0.04‭ ‬ بوصة‭‬‭ ‬وبعدد‭ ‬500‭ ‬إلى‭ ‬1000‭ ‬خلية،‭ ‬وهي‭ ‬صغيرة‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬للتنقل‭ ‬داخل‭ ‬أجسام‭ ‬البشر،‭ ‬ويمكنها‭ ‬المشي‭ ‬والسباحة‭ ‬والبقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬لأسابيع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬غذاء‭.‬

بُنيت‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية‭ ‬من‭ ‬خلايا‭ ‬الجلد‭ ‬التي‭ ‬وفّرت‭ ‬لها‭ ‬بنية‭ ‬صلبة،‭ ‬حيث‭ ‬عملت‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬السقالات‭ ‬لتثبيت‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬معًا،‭ ‬بينما‭ ‬تعمل‭ ‬تقلصات‭ ‬عضلات‭ ‬خلايا‭ ‬القلب‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬حركتها‭.‬

وقد‭ ‬تبيّن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية‭ ‬القابلة‭ ‬لإعادة‭ ‬التكوين‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬بطريقة‭ ‬متماسكة،‭ ‬واستكشاف‭ ‬بيئتها‭ ‬المائية‭ ‬لأيام‭ ‬أو‭ ‬أسابيع،‭ ‬مدعومة‭ ‬بمخازن‭ ‬الطاقة‭ ‬الجنينية. ‬كما‭ ‬أظهرت‭ ‬الاختبارات‭ ‬اللاحقة‭ ‬أن‭ ‬مجموعات‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬دوائر،‭ ‬وتدفع‭ ‬الكريات‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬مركزي‭ ‬بشكل‭ ‬عفوي‭ ‬وجماعي. ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬تم‭ ‬تصميمه‭ ‬بفتحة‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬لتخفيف‭ ‬وزنه. ‬وفي‭ ‬نسخ‭ ‬المحاكاة‭ ‬لهذه‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تمكن‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الفتحة‭ ‬كحقيبة‭ ‬لحمل‭ ‬شيء‭ ‬بنجاح. ‬وهذه‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬المصممة‭ ‬بالحاسوب‭ ‬لتوصيل‭ ‬الأدوية‭ ‬بذكاء،‭ ‬أي‭ ‬استهداف‭ ‬الخلايا‭ ‬والأنسجة‭ ‬المصابة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الجسم‭ ‬كله‭.‬

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وصفها‭ ‬بالروبوتات‭ ‬الحية‭ ‬القابلة‭ ‬للبرمجة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬عضوية‭ ‬بالكامل‭ ‬ومصنوعة‭ ‬من‭ ‬أنسجة‭ ‬حية. ‬واستُعمل‭ ‬مصطلح “روبوت”‮‬‭ ‬لأنه‭ ‬يمكن‭ ‬تصميم‭ ‬هذه‭ ‬الكائنات‭ ‬في‭ ‬نماذج‭ ‬وأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬مبرمجة‭ ‬لاستهداف‭ ‬غايات‭ ‬معينة‭.‬

أجيال‭ ‬من‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية

في‭ ‬عام ‭‬2020م،‭ ‬احتل‭ ‬هؤلاء‭ ‬العلماء‭ ‬عناوين‭ ‬الصحف‭ ‬العالمية‭ ‬لنجاحهم‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬أول‭ ‬طراز‭ ‬من‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية،‭ ‬المتميّزة‭ ‬بكونها‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭ ‬صغيرة “‬قابلة‭ ‬للبرمجة”‬‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الخلايا‭ ‬الجذعية‭ ‬للضفادع،‭ ‬ويمكنها‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬السوائل. ‬وادعى‭ ‬العلماء‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مفيدة‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬النشاط‭ ‬الإشعاعي‭ ‬أو‭ ‬الملوثات‭ ‬أو‭ ‬الأدوية‭ ‬أو‭ ‬الأمراض. ‬وبقيت‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية‭ ‬الأولية‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬لمدة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭.‬

أما‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬التي‭ ‬أُنشئت‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬عام‭ ‬2021م،‭ ‬فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬خصائص‭ ‬جديدة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬شملت‭ ‬الشفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬والعمر‭ ‬الأطول. كما‭ ‬أظهرت‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬أسراب‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التجمع‭ ‬في‭ ‬مجموعات‭.‬

ومؤخرًا،‭ ‬كشف‭ ‬فريق‭ ‬العلماء‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية. ‬وعلى‭ ‬غرار‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية‭ ‬السابقة،‭ ‬أُنشئت‭ ‬الجديدة‭ ‬باستخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لاختبار‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬الأولية‭ ‬افتراضيًا،‭ ‬متجاوزةً‭ ‬عملية‭ ‬التجربة‭ ‬والخطأ‭ ‬المطولة‭ ‬في‭ ‬المختبر. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الدفعة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬سابقاتها‭ ‬بشكل‭ ‬جوهري؛‭ ‬فهذه‭ ‬يمكنها‭ ‬التكاثر‭ ‬ذاتيًا. ‬ويُعرف‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التكاثر‭ ‬باسم “التكاثر‭ ‬الذاتي‭ ‬المتماثل‭ ‬الحركي”‬،‭‬ وهو‭ ‬معروف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الجزيئات‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يُلاحظ‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الخلايا‭ ‬أو‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬الكاملة‭.‬ من‭ ‬الناحية‭ ‬النظرية،‭ ‬فإن‭ ‬النسخ‭ ‬الذاتي‭ ‬المصمم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإنسان‭ ‬ليس‭ ‬جديدًا. ‬ففي‭ ‬عام ‭‬1966م،‭ ‬ناقش‭ ‬عالم‭ ‬الرياضيات‭ ‬المشهور‭ ‬جون‭ ‬فون‭ ‬نيومان‭ ‬‮ “الكائنات‭ ‬الآلية‭ ‬ذاتية‭ ‬التكاثر‮”.

ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬إريك‭ ‬دريكسلر،‭ ‬المهندس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬يُنسب‭ ‬إليه‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬مجال “تكنولوجيا‭ ‬النانو”‬،‭ ‬تصوّر‭ ‬في‭ ‬كتابه “محركات‭ ‬الإبداع: ‬الحقبة‭ ‬القادمة‭ ‬لتقنية‭ ‬النانو‮”‬،‭ ‬الصادر‭ ‬عام ‭‬1986م،‭ ‬روبوتات‭ ‬نانوية‭ ‬تتكرر‭ ‬باستمرار‭ ‬وتلتهم‭ ‬محيطها،‭ ‬وتحوّل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلى‭ ‬حمأة‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬نفسها. ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬التصوّر‭ ‬اسم “غراي‭ ‬غو‭”‬، ‬وهو‭ ‬سيناريو‭ ‬كارثي‭ ‬عالمي‭ ‬افتراضي‭ ‬يتضمن‭ ‬تقنية‭ ‬النانو‭ ‬الجزيئية،‭ ‬حيث‭ ‬تستهلك‭ ‬آلات‭ ‬التكاثر‭ ‬الذاتي‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬كل‭ ‬الكتلة‭ ‬الحيوية‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬بينما‭ ‬تبني‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬نفسها. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬دريكسلر‭ ‬ندم‭ ‬لاحقًا‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬المصطلح،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تجربته‭ ‬الفكرية‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬تُستخدم‭ ‬للتحذير‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬تطوير‭ ‬مادة‭ ‬بيولوجية‭ ‬جديدة‭.‬

تستخدم‭ ‬النسخ‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية‭ ‬التكرار‭ ‬الذاتي‭ ‬الحركي. ‬ولكن‭ ‬لجعل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التكاثر‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية،‭ ‬طلب‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬العملاق‭ ‬اكتشاف‭ ‬تعديل‭ ‬لشكل‭ ‬الوالدين‭ ‬الأوليين‭ ‬الكرويين. ‬وتوصل‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬التصميمات‭ ‬الغريبة،‭ ‬منها‭ ‬تصميم‭ ‬يشبه‭ ‬لعبة‭ ‬فيديو‭ ‬من‭ ‬الثمانينيات‭ ‬تسمى “باكمان‭”‬. وعندما‭ ‬قص‭ ‬فريق‭ ‬الباحثين‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية‭ ‬الكروية‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬حرف ‭ ،(‬C‭)‬‭‬أنتجت‭ ‬الروبوتات‭ ‬المُعدّلة‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬أجيال،‭ ‬أي‭ ‬ضعف‭ ‬ما‭ ‬أُنشئ‭ ‬بواسطة‭ ‬الوالدين‭ ‬الكرويين‭.‬

وتتم‭ ‬عملية‭ ‬التكاثر‭ ‬بعثور‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية،‭ ‬المصممة‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬حرف (‭(‬C، ‬على‭ ‬الخلايا‭ ‬الجذعية‭ ‬الفردية‭ ‬وجمع‭ ‬المئات‭ ‬منها‭ ‬داخل‭ ‬فمها‭ ‬الذي‭ ‬يشبه “باكمان”‬،‭ ‬وبعد‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬تصبح‭ ‬حزمة‭ ‬الخلايا‭ ‬روبوتات‭ ‬جديدة‭ ‬تشبه‭ ‬آباءها‭ ‬تمامًا‭ ‬وتتحرك‭ ‬مثلها. ‬ويقول‭ ‬العلماء‭ ‬إن‭ ‬الشكل‭ ‬هو‭ ‬البرنامج‭ ‬في‭ ‬جوهره،‭ ‬إذ‭ ‬يؤثر‭ ‬الشكل‭ ‬على‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحية‭ ‬لتضخيم‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬المدهشة‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يُصدق‭.‬

قضايا‭ ‬فلسفية‭ ‬وأخلاقية

لا‭ ‬أحد‭ ‬ينكر‭ ‬أن‭ ‬للعلم‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬وتطبيقاتهما،‭ ‬منافعُ‭ ‬جمة‭ ‬أفادت‭ ‬البشرية‭ ‬وعادت‭ ‬عليها‭ ‬بالنفع‭ ‬الكبير،‭ ‬فالعلوم‭ ‬بطبيعتها‭ ‬حيادية،‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تصبغها‭ ‬بالصبغة‭ ‬التي‭ ‬تريد. ‬ومن‭ ‬الأزل‭ ‬اكتَشفَ‭ ‬الإنسانُ‭ ‬النار‭ ‬واستفاد‭ ‬منها؛‭ ‬أنارت‭ ‬له‭ ‬وأضاءت‭ ‬له‭ ‬السبيل،‭ ‬أدفأته‭ ‬من‭ ‬برودة‭ ‬الطقس،‭ ‬وأنضجت‭ ‬له‭ ‬طعامه،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬استعملها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حرق‭ ‬ممتلكات‭ ‬غيره،‭ ‬وفي‭ ‬تعذيب‭ ‬الآخرين‭.‬

وهكذا‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬بما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬عقل‭ ‬أن‭ ‬يسخّر‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لمصلحته‭ ‬إن‭ ‬أراد،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬ذلك‭ ‬للخير‭ ‬أم‭ ‬الشر. ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يتحول‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬نعمة‭ ‬إلى‭ ‬نقمة،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬منهج‭ ‬أخلاقي‭ ‬يسترشد‭ ‬به‭ ‬العلم‭ ‬والعلماء‭ ‬يمكَّن‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬العلمية‭ ‬والبحثية‭ ‬والتقنية‭ ‬الهائلة‭ ‬ويمثل‭ ‬سياجًا‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬انفلاتها‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحيوية،‭ ‬فمع‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تطبيقات‭ ‬مذهلة‭ ‬محتملة‭ ‬سوف‭ ‬تفيد‭ ‬البشرية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬خبراء‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الآلات‭ ‬أكدوا‭ ‬ضرورة‭ ‬إشراك‭ ‬الاختصاصيين‭ ‬في‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬التطبيقية‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬وتطوير‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬بحيث‭ ‬يمكن‭ ‬صياغة‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬وحقوقها. ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحيوية‭ ‬متطورة‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬قدرات‭ ‬معرفية ‭‬(وعي‭ ‬اصطناعي)‭ ‬ستحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إطار‭ ‬عمل‭ ‬يحدد‭ ‬بوضوح‭ ‬أدوارها‭ ‬وحقوقها‭.‬

إن‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحيوية‭ ‬غير‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬المعدن‭ ‬أو‭ ‬البلاستيك‭ ‬مثل‭ ‬الآلات‭ ‬المألوفة. ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬عرّفنا‭ ‬الآلة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬شيء‭ ‬مصمم‭ ‬لأداء‭ ‬مهمة‭ ‬محددة،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬ينطبق‭ ‬عليها. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬خلايا‭ ‬تشابه‭ ‬تمامًا‭ ‬معظم‭ ‬الصفات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاز‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليها‭ ‬الروبوتات‭ ‬أو‭ ‬الآلات‭ ‬الحية،‭ ‬حيث‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الأبوة‭ ‬المختلطة‭ ‬بين‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والكائنات‭ ‬الحية‭.‬

حاليًا،‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحيوية‭ ‬بدائية‭ ‬وقدراتها‭ ‬محدودة. ‬لكن‭ ‬الأجيال‭ ‬المستقبلية‭ ‬قد‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬مثل: ‬روبوتات‭ ‬تتضمن‭ ‬أوعية‭ ‬دموية‭ ‬وأجهزة‭ ‬عصبية‭ ‬وأجهزة‭ ‬تناسل،‭ ‬فحينما‭ ‬يتم‭ ‬تصميم‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬البيولوجية‭ ‬والتشريحية‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬حينئذ‭ ‬آلات،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬إعادة‭ ‬تعريف‭ ‬ما‭ ‬نعتبره‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭.‬

ويتبلور‭ ‬القلق‭ ‬الأخلاقي‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تجربه‭ ‬البشرية‭ ‬بعد؛‭ ‬لأننا‭ ‬قد‭ ‬نفقد‭ ‬السيطرة،‭ ‬وتجد‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬طريقًا‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة،‭ ‬إذا‭ ‬أنشانا‭ ‬آلات‭ ‬مستقلة‭ ‬تنتج‭ ‬أشكالًا‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬باستخدام‭ ‬التطور‭ ‬الاصطناعي. ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬مسألة‭ ‬تافهة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمستقبل‭ ‬البشرية‭.‬

صحيح‭ ‬أنه‭ ‬حاليًا‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬الحيوية‭ ‬سوى‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الأبحاث‭ ‬الموثوقين. ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬قد‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬علماء‭ ‬أحياء‭ ‬وتقنيين‭ ‬ذوي‭ ‬نوايا‭ ‬سيئة،‭ ‬فيقومون‭ ‬ببرمجة‭ ‬روبوتات‭ ‬حية‭ ‬فائقة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لتسليحها‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية. ‬لذا،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬التنظيمية‭ ‬واللجان‭ ‬المعنية‭ ‬بالأخلاقيات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬بعناية‭ ‬لتفادي‭ ‬سوء‭ ‬استعمال‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭.‬

وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاختراق‭ ‬العلمي‭ ‬المذهل‭ ‬هو‭ ‬غطرسة‭ ‬الإنسان‭ ‬وزعمه‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وعدم‭ ‬إدراكه‭ ‬للعواقب‭ ‬غير‭ ‬المقصودة‭ ‬عندما‭ ‬تدخل‭ ‬كائنات‭ ‬جديدة‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة؛‭ ‬وهنا‭ ‬ينبغي‭ ‬للأخلاق‭ ‬أن‭ ‬تُروض‭ ‬التقنية‭ ‬وتصيغها‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ليبقى‭ ‬العلم‭ ‬وتقنياته‭ ‬نعمة‭ ‬للبشرية‭ ‬ومصدرًا‭ ‬للخير‭ ‬والهناء‭.‬