Hero image

فيتنام.. زهرة اللوتس

مايو - يونيو 2023

يوليو 21, 2023

شارك

بالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬اليوم،‭ ‬يكاد‭ ‬اسم‭ ‬فيتنام‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مرادفًا‭ ‬للحرب‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬بتلك‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬فصولها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975م. ‬ولربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬فيتنام‭ ‬والحرب‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مستمرًا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك،‭ ‬بفعل‭ ‬استعادة‭ ‬السينما‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬لبعض‭ ‬مجرياتها. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬فيتنام‭ ‬مختلف‭ ‬تمامًا؛‭ ‬فهي‭ ‬اليوم‭ ‬مقصد‭ ‬سياحي‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬يقصدها‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بطبيعتها‭ ‬الخلّابة،‭ ‬وما‭ ‬توفره‭ ‬هذه‭ ‬الطبيعة‭ ‬للنفس‭ ‬الباحثة‭ ‬عن‭ ‬زوايا‭ ‬هادئة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬الصاخب‭.‬

الحرف‭ ‬والصورة‭: ‬هادي‭ ‬السنان

تضج‭ ‬العاصمة‭ ‬هانوي‭ ‬بالحياة‭ ‬ليلًا‭ ‬ونهارًا. ‬وتتجاور‭ ‬في‭ ‬أسواقها‭ ‬الحديثة‭ ‬والصاخبة‭ ‬محلات‭ ‬بيع‭ ‬الأطعمة‭ ‬والإلكترونيات‭ ‬مع‭ ‬متاجر‭ ‬التذكارات‭ ‬التي‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬أصل‭ ‬أسطوري،‭ ‬وتهمس‭ ‬بحضور‭ ‬قوي‭ ‬لتراث‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬ثقافتها‭ ‬اليومية. ‬أما‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الهدوء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬فيمكنه‭ ‬أن‭ ‬يقصد‭ ‬بحيرة “هوان‭ ‬كيم” ‬التي‭ ‬تغص‭ ‬بالمتنزهين‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬أوقات‭ ‬النهار‭ ‬والليل. ‬واسم‭ ‬هذه‭ ‬البحيرة‭ ‬هو‭ ‬بدوره‭ ‬وليد‭ ‬أسطورة‭ ‬تقول‭ ‬إن “آلهة‭ ‬البحر” ‬أعارت‭ ‬قديمًا‭ ‬سيفًا‭ ‬للملك‭ ‬لوي‭ ‬ليقضي‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬أعداء‭ ‬الدولة،‭ ‬ففعل. ‬وبعدما‭ ‬ترسّخ‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬يصطاد‭ ‬على‭ ‬ضفة‭ ‬هذه‭ ‬البحيرة‭ ‬جاءته‭ ‬سلحفاة‭ ‬لتستعيد‭ ‬هذا‭ ‬السيف. ‬فسُميّت البحيرة‭ “‬هوان‭ ‬كيم ‬أي‭ ‬السيف‭ ‬المُعاد”.

وعلى‭ ‬ضفاف‭ ‬هذه‭ ‬البحيرة‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬2360‭ ‬نهرًا،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬16‭ ‬نهرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬ورئيسًا. ‬واحد‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬النهر‭ ‬الأحمر‭ ‬الذي‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬الصين‭ ‬ويصب‭ ‬في‭ ‬خليج‭ ‬تونكين‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬90‭ ‬كيلومترًا‭ ‬من‭ ‬المدينة. ‬فالأنهار‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ترسم‭ ‬تضاريس‭ ‬هذه‭ ‬البلاد،‭ ‬ولا‭ ‬بُد‭ ‬للزائر‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬برحلة‭ ‬نهرية،‭ ‬وقد‭ ‬وقع‭ ‬اختيارنا‭ ‬على‭ ‬نهر “‬نجو‭ ‬دونغ”.

قد‭ ‬تشكّل‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬لقطة‭ ‬مثالية‭ ‬لفيتنام؛‭ ‬ماءٌ‭ ‬وخضرة‭ ‬وقارب‭ ‬وصيّاد‭.‬

حقول‭ ‬خضراء‭ ‬وتضاريس‭ ‬جبلية‭ ‬أخّاذة

لركوب‭ ‬قارب‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬نهرية،‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬مدينة “‬تام‭ ‬كوك‭”‬، ‬وهي‭ ‬الأنسب‭ ‬لقربها‭ ‬من‭ ‬هانوي،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬عنها‭ ‬أكثر‭ ‬من ‭‬100‭‬كيلومتر،‭ ‬ويمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬بالحافلة‭ ‬أو‭ ‬الدراجة‭ ‬النارية‭ ‬أو‭ ‬السيارة‭ ‬خلال‭ ‬ساعة‭ ‬ونصف‭ ‬أو‭ ‬ساعتين‭.‬

يقود‭ ‬القوارب‭ ‬المنطلقة‭ ‬من‭ ‬ضفة‭ ‬نهر‭ ‬نجو‭ ‬دونغ‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬السن. ‬ويلاحظ‭ ‬المرء‭ ‬بسرعة‭ ‬مهاراتهم‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬القارب‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬مجرى‭ ‬النهر‭ ‬وقوة‭ ‬التجديف‭ ‬لديهم،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬يجدّف‭ ‬تارة‭ ‬بيديه،‭ ‬وأخرى‭ ‬بقدميه‭ ‬ليريح‭ ‬ذراعيه. وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬التواصل‭ ‬اللغوي،‭ ‬فإن‭ ‬قائد‭ ‬القارب‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬فيه،‭ ‬المتمرس‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬هذا‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬تَمكّن‭ ‬من‭ ‬جعل‭ ‬الرحلة‭ ‬ممتعة‭ ‬بابتساماته‭ ‬اللطيفة‭ ‬ومحاولاته‭ ‬للشرح‭ ‬والتعريف‭ ‬بالمناطق‭.‬

أول‭ ‬ما‭ ‬يبهر‭ ‬النظر‭ ‬من‭ ‬القارب‭ ‬المنساب‭ ‬بهدوء‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬الماء‭ ‬هو‭ ‬اخضرار‭ ‬المصاطب‭ ‬الزراعية‭ ‬المتدرجة‭ ‬على‭ ‬الجبال‭ ‬الشاهقة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الجانبين. ‬وفيتنام‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬بلد‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الأحواض‭ ‬النهرية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ %‬50‭ ‬من‭ ‬المحاصيل‭ ‬الأساسية‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬دلتا “الميكونغ” ‬والنهر‭ ‬الأحمر‭. ‬

والأرز‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬محصول‭ ‬زراعي‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬يليه‭ ‬قصب‭ ‬السكر‭ ‬والذرة‭ ‬والبطاطا‭ ‬الحلوة‭ ‬والمكسرات‭.‬

كهوف‭ ‬غائرة‭ ‬وإطلالات‭ ‬واسعة

وأبرز‭ ‬ما‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬الرحلة‭ ‬النهرية‭ ‬هذه‭ ‬هو‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬المختلفة‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬اسمه‭ ‬وأسطورته: “‬هانغ‭ ‬كاي‭،”‬ “هانغ‭ ‬باي”، “هانغ‭ ‬با‭”.. ‬ أما‭ ‬الكهف‭ ‬الأكثر‭ ‬استقطابًا‭ ‬للزوّار‭ ‬فهو‭ ‬كهف‭ ‬جبل “الموا”، ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬تسلّقه‭ ‬لرؤية‭ ‬مجرى‭ ‬النهر‭ ‬الأحمر‭ ‬من‭ ‬الأعلى،‭ ‬وإلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬بانورامية‭ ‬ساحرة‭ ‬على‭ ‬تضاريس‭ ‬المنطقة‭ ‬وأرضها‭ ‬الخضراء‭.‬

ويُروى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجبل‭ ‬سُمي‭ ‬بـ‭ “‬الموا‭”‬ أي‭ ‬الرقص،‭ ‬بفعل‭ ‬أسطورة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الملك‭ ‬تران‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متوجهًا‭ ‬إلى ‭”‬هاو‭ ‬لو”‬،‭ ‬عاصمة‭ ‬فيتنام‭ ‬القديمة،‭ ‬توقف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬للراحة،‭ ‬وأقام‭ ‬فيها‭ ‬احتفالات‭ ‬تضمنت‭ ‬الغناء‭ ‬والرقص. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬فيه‭ ‬مستشفى‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الفيتنامية،‭ ‬يوجد‭ ‬أيضًا‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التماثيل‭ ‬والمقاصد‭ ‬الدينية‭ ‬البوذية‭.‬

يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬درجات‭ ‬الجبال‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬أعلاه‭ ‬نحو‭ ‬500‭ ‬درجة،‭ ‬والطريق‭ ‬منحدر‭ ‬وصعب. ‬ولكن‭ ‬المنظر‭ ‬البانورامي‭ ‬عند‭ ‬قمته‭ ‬يمحو‭ ‬تعب‭ ‬التسلّق‭.‬

‭”‬نون‭ ‬لا‭ “.. ‬أيقونة‭ ‬فيتنام

في‭ ‬طريق‭ ‬عودتنا‭ ‬بالقارب‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬صادفنا‭ ‬امرأة‭ ‬تعتمر‭ ‬قبعة،‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬خرجت‭ ‬إلى‭ ‬ضفة‭ ‬النهر‭ ‬لصيد‭ ‬السمك‭.‬

تُسمى‭ ‬هذه‭ ‬القبعة‭ ‬بالفيتنامية‭ “‬نون‭ ‬لا”،‭ ‬وتعني‭ ‬حرفيًا “‬القبعة‭ ‬المخروطية” ‬تقليديًا،‭ ‬كانت‭ ‬النساء‭ ‬يعتمرن‭ ‬هذه‭ ‬القبعة‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬القش‭ ‬لحماية‭ ‬أنفسهن‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬وقطرات‭ ‬المطر‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬الأرز‭.‬

‭ ‬وهي‭ ‬تُثبت‭ ‬على‭ ‬الرأس‭ ‬بواسطة‭ ‬قطعة‭ ‬قماش‭ ‬ملوّنة. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الدراجات‭ ‬النارية‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬النقل،‭ ‬وما‭ ‬يفرضه‭ ‬ذلك‭ ‬قانونًا‭ ‬لجهة‭ ‬ارتداء‭ ‬خوذة‭ ‬حماية،‭ ‬تراجع‭ ‬الاستخدام‭ ‬اليومي‭ ‬للقبعة‭ ‬المخروطية. ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تندثر‭ ‬تمامًا‭ ‬فهي‭ ‬حاضرة‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬هانوي‭ ‬وشمال‭ ‬فيتنام،‭ ‬ويقل‭ ‬عددها‭ ‬كلما‭ ‬اتجهنا‭ ‬جنوبًا‭ ‬إلى‭ ‬هو‭ ‬تشي‭ ‬منه سايغون‭ ‬سابقًا،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عاصمة‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية. ‬ونظرًا‭ ‬لشهرتها‭ ‬كأيقونة‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬وثقافتها‭ ‬والحياة‭ ‬الزراعية‭ ‬فيها،‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬القبعات‭ ‬من‭ ‬التذكارات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬بُد‭ ‬للسائح‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬جعبته‭ ‬إحداها‭ ‬بعد‭ ‬زيارته‭ ‬لفيتنام‭.‬

تكشف‭ ‬شوارع‭ ‬فيتنام‭ ‬للزائر‭ ‬تباينًا‭ ‬بين‭ ‬المعاصرة
والتمسك‭ ‬بالتقاليد،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬ارتداء‭ ‬الخوذة‭ ‬أو‭ ‬قبعة “نون‭ ‬لا” ‬الأيقونية‭.‬
في‭ ‬أحد‭ ‬شوارع‭ ‬هانوي،‭ ‬لقطة‭ ‬لإحدى‭ ‬الأدوات‭ ‬شائعة‭ ‬الاستخدام‭ ‬
في‭ ‬فيتنام‭ ‬لتسهيل‭ ‬نقل‭ ‬البضاعة‭ ‬بين‭ ‬مكان‭ ‬وآخر‭.‬

زهرة‭ ‬اللوتس‭ ‬ورمزيتها‭ ‬الوطنية

تتزين‭ ‬النساء‭ ‬عند‭ ‬التقاط‭ ‬صور‭ ‬لهن‭ ‬بالقبعات‭ ‬المخروطية‭ ‬وبأزهار‭ ‬اللوتس. ‬وفي‭ ‬رحلتنا‭ ‬النهرية،‭ ‬ولربما‭ ‬صح‭ ‬القول‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬فيتنام،‭ ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يشاهد‭ ‬هذه‭ ‬الزهور‭ ‬الجميلة‭ ‬حيثما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مياه‭ ‬راكدة.. ‬في‭ ‬البحيرات‭ ‬والمستنقعات‭ ‬والبرك‭ ‬والأحواض‭ ‬المنزلية. ‬كما‭ ‬تحضر‭ ‬بنفسها‭ ‬أو‭ ‬ممثّلة‭ ‬بمنحوتات‭ ‬أو‭ ‬رسوم‭ ‬في‭ ‬المعابد‭ ‬والقصور‭ ‬والأبنية‭ ‬الفخمة. وهذه‭ ‬الزهرة‭ ‬الجميلة،‭ ‬التي‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ ‬وسط‭ ‬أوراق‭ ‬خضراء‭ ‬وتبقي‭ ‬ساقها‭ ‬وجذورها‭ ‬مغمورين،‭ ‬هي‭ ‬الزهرة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬ورمز‭ ‬الدولة‭ ‬لدلالاتها‭ ‬على‭ ‬النقاء‭ ‬والجمال‭ ‬والاستبشار‭ ‬بالمستقبل‭.‬

بين‭ ‬1600‭ ‬جزيرة

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الرحلة‭ ‬بالقارب‭ ‬على‭ ‬نهر “نجو‭ ‬دونغ”‬،‭ ‬يمكن‭ ‬للباحث‭ ‬عن‭ ‬الأجواء‭ ‬الهادئة‭ ‬والمناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬الخلّابة‭ ‬أن‭ ‬يقصد‭ ‬أرخبيل “هالونغ‭ ‬باي” ‬الذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬من‭ ‬المقاصد‭ ‬السياحية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

يتألف‭ ‬هذا‭ ‬الأرخبيل‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬1600‭ ‬جزيرة‭ ‬متفاوتة‭ ‬الأحجام. وتحتوي‭ ‬هذه‭ ‬الجزر‭ ‬الخضراء‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬والمعالم‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬أدرجت “هالونغ‭ ‬باي” ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬مواقع‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭.‬

الوسيلة‭ ‬الأكثر‭ ‬اعتمادًا‭ ‬للقيام‭ ‬برحلة‭ ‬ممتعة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الأرخبيل‭ ‬هي‭ ‬السفن‭ ‬السياحية،‭ ‬التي‭ ‬تجوب‭ ‬أرجاءه‭ ‬سالكة‭ ‬خطوطًا‭ ‬متعرجة‭ ‬بين‭ ‬جزره،‭ ‬وتتيح‭ ‬للزائر‭ ‬أن‭ ‬يتصرف‭ ‬على‭ ‬هواه‭ ‬بين‭ ‬الاسترخاء‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفينة‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بجمال‭ ‬مناظر‭ ‬الجزر،‭ ‬وتسلّق‭ ‬جبال‭ ‬بعضها،‭ ‬أو‭ ‬السباحة‭ ‬والنوم‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭.‬

حيث‭ ‬بقيت‭ ‬بعض‭ ‬ندوب‭ ‬الحرب

في‭ ‬أرجاء‭ ‬الطبيعة‭ ‬الفيتنامية،‭ ‬ينعم‭ ‬المرء‭ ‬بهدوء‭ ‬عزّ‭ ‬نظيره،‭ ‬حتى‭ ‬يكاد‭ ‬ينسى‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬عرفت‭ ‬أطول‭ ‬وأعنف‭ ‬حرب‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المدن،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬جراح‭ ‬الحرب‭ ‬قد‭ ‬شُفيت‭ ‬تمامًا. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بعض‭ ‬الندوب‭ ‬ظاهرة‭ ‬للعيان‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

في‭ ‬سنوات‭ ‬انقسام‭ ‬فيتنام‭ ‬إلى‭ ‬شمالية‭ ‬وجنوبية‭ ‬كانت‭ ‬مدينة‭ ‬سايغون‭ ‬عاصمة‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية،‭ ‬ومقر‭ ‬قيادة‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬فيتنام‭ ‬الشمالية‭. ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬توحيد‭ ‬البلاد‭ ‬أُسميت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬اسم‭ ‬الزعيم‭ ‬الفيتنامي‭ ‬الذي‭ ‬قارع‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ “‬هو‭ ‬تشي‭ ‬منه‭”.‬

في‭ ‬مدينة‭ ‬هو‭ ‬تشي‭ ‬منه‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬آثار‭ ‬الحرب‭ ‬وتذكارات‭ ‬ويلاتها‭ ‬ظاهرة‭ ‬للعيان،‭ ‬خلافًا‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬العاصمة‭ ‬هانوي‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الذي‭ ‬انتصر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬لرحلة‭ ‬نهرية‭ ‬أن‭ ‬تبعد‭ ‬الزائر‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ذلك. ‬تقع‭ ‬هو‭ ‬تشي‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬الميكونغ،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أطول‭ ‬أنهار‭ ‬العالم. ‬ويصطحب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الزوّار‭ ‬في‭ ‬نزهة‭ ‬نهرية‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬قواربهم‭ ‬الصغيرة‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الخضرة‭ ‬الندية‭ ‬على‭ ‬ضفتيه‭ ‬وأشجار‭ ‬جوز‭ ‬الهند‭ ‬المتوفرة‭ ‬بكثرة‭.‬

لكل‭ ‬رحلة‭ ‬بالقارب‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬وقع‭ ‬مختلف‭ ‬في‭ ‬النفس. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لبعض‭ ‬الشوائب‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭ ‬أن‭ ‬تمحو‭ ‬جمالًا‭ ‬يطغى‭ ‬عليها‭ ‬بقوة‭. ‬جمالٌ‭ ‬يتمثل‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬ولو‭ ‬رمزيًا،‭ ‬بزهرة‭ ‬اللوتس‭ ‬التي‭ ‬تنمو‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭.‬