
بدأتْ أستاذة الدراسات الثقافية والاجتماعية في كينغز كوليدج بلندن، جوان إنتويسل، في الطبعة الثالثة المحدّثة لكتابها، باقتباسٍ من مستهل كتاب "الجسد والمجتمع" المنشور للمرة الأولى عام 1985م، لنظيرها في التخصص، بريان تيرنر، الأستاذ السابق بجامعة كمبريدج، أكّد فيه أن ثمة حقيقة واضحة وبارزة حول الناس، وهي "أنهم أجساد ويمتلكون أجسادًا"، بمعنى أن الجسد يُشكِّل بيئة تحتضن الذات ولا يمكن انفصاله عنها.
لكن "إنتوسيل" تُشير إلى أن هذا التعريف للبشر قد أغفل حقيقة أخرى واضحة، هي أن أجساد البشر "عادة ما تكون مكسوّة، وأن العالم الاجتماعي هو "عالم الأجساد المكسوّة"؛ أي التي ترتدي ملابس، فالمواقف الاجتماعية كلها تتطلب من البشر الظهور بملابس. ويؤكد هذا العمل، الذي لا يجب النظر إليه بوصفه تأريخًا للموضة والأزياء وحسب، أن الأجساد تتشكَّل اجتماعيًا عبر الملابس التي تمنحها معنى وهوية، فما يشكِّل "لباسًا للجسد" يختلف من ثقافة إلى أخرى، بل إنه يتباين داخل الثقافة الواحدة، وارتداء الملابس ليس فعلًا عشوائيًا، بل يرتبط بمجموعة من القواعد التي ارتضاها المجتمع. فليس من المقبول، على سبيل المثال، أن يرتدي المرء المعطف حين يقرِّر السباحة، أو أن يتسوَّق وهو يرتدي لباس البحر. لذا، إذا قرَّر أحد الأفراد عدم الامتثال لتقاليد ثقافة ارتداء الملابس، فسيعدُّ ذلك "تخريبًا لأبسط القواعد الاجتماعية"، وهو بذلك الفعل يخاطر بتعرضه للإقصاء، أو السخرية والازدراء.
وعلى هذا، يناقش الكتاب موضوعه الأساس، وهو الملبس وعلاقته بالجسد - كما توضِّح مؤلِّفته - ليس بوصفه موضوعًا للنظر له على نحو مجرد، بل بوصفه نشاطًا وجزءًا أصيلًا من العلاقات الاجتماعية.
فالملبس يُترجم الموضة إلى ممارسة يومية. ولا شك أن الزي الذي يُرتدى يوميًّا إنما هو "التعبير النهائي، أو التجسيد لأيّة موضة"، وأن ليس ثمَّة شيء مُباح بخصوص الملابس على نحو مطلق. لأن عضوية الفرد في ثقافة فرعية معينة، أو انتماء ديني، أو عمر محدد، أو طبقة اجتماعية، هي من المؤثّرات المهمة في اختيار الشخص للملابس، بل توجهه إلى علامات تجارية أو ماركات دون غيرها.
وتكشف المؤلفة الآليات المصاحبة لتحوُّل لباس بعينه لأن يكون موضة في وقت ما، وأهمها أن ينجح في الاستحواذ على "الحالة المزاجية" أو "الذوق" الناشئ عند مجموعة من الأفراد. وتُبين أنه لفهم الموضة والملابس يتعين إدراك طبيعة العلاقة بين مختلف عناصر صناعة الأزياء نفسها من منتجين، ووسطاء ثقافيين، وإجراءات، وقرارات يتخذها الأفراد بشأن أجسادهم والملابس التي تكسوها.
تأليف: جوان إنتويسل
ترجمة: عليّ عبدالصمد
الناشر: شهريار، 2025م