Hero image

الفلسفة الطبية

يوليو - أغسطس | 2025

يوليو 23, 2025

5 دقائق

شارك
يُقارب هذا الكتاب بين الفلسفة والطب ويُقرن بينهما، ويسعى مؤلفه الأكاديمي الأرجنتيني ماريو بونجي (1919م – 2020م) إلى التأكيد على أن ثمَّة علاقة تكاملية وثيقة بينهما. فهو نفسه يجمع بين لقبي العالِم الفيزيائي والفيلسوف، وكان قد ألَّف كتابًا موسوعيًّا يُعدُّ الأبرز في مسيرته، صدر في ثمانية مجلدات بعنوان "أطروحة في الفلسفة الأساسية".

وفي هذا العمل، الذي يُعدُّ أحدث عمل ترُجم له إلى العربية، يدحض "بونجي" مقولة إن الطب يبدو غريبًا عن التأمل الفلسفي الذي يعني تحليل أفكار الحياة العامة المتعلقة بالواقع والمعرفة والحقيقة والخير. ويذهب إلى القول إن "الطب مُشبَع دائمًا بالفلسفة"، لكن "الأطباء والفلاسفة دأبوا على تجاهُل بعضهم بعضًا" على حدِّ قوله. لذا، فهو يرى أن كل طبيب معاصر إنما يؤدي عمله وهو "يتفلسف"، وذلك بداية من استقباله المريض وإجراء أحد الفحوص الإكلينيكية المعتادة، ثم طرحه الأسئلة التي يرى أنها ستساعده على التشخيص السليم وصياغة افتراضات يبنيها على بعض الدلائل، وكتابة الوصفةِ الطبيّةِ التي بوسعها علاج الاعتلال على اختلافه. فيكون بهذه الطريقة، قد اتبع نظامًا فلسفيًّا متكاملًا، مستندًا إلى المعرفة العقلانية المُنظمة، والعلم، والتوجه الإنساني، ولا يخلو من الشك بمعناه الإيجابي في الوقت نفسه.

ويرى المؤلف أن وجود مثل هذا المحرك الفلسفي "السليم"، الذي يحكم عمل الطبيب ذي التوجه العلمي، هو الذي يميزه عن المعالجين الروحانيين الذين يتحركون وفقًا لفلسفات "مريضة" و"ضحلة" مناهضة للعلم، فيزعمون أن العلاج يكون أقوى مفعولًا حينما يقلُّ تركيز مادته، أو عن الذين يعارضون الواقع، فيؤمنون أن الأمراض لا تحدث بسبب اختلالات حيوية، أو أن الطب المتعارَف عليه هو ابتداع خاص بشركات الأدوية المعروفة. وعلى هذا الأساس، يدعو إلى أن توجِّه الفلسفة المشروعات العلمية وتُراقِبها. فبمقدور الفلاسفة مساعدة الأطباء على إزالة الالتباسات، وطرح أسئلة مهمة فاتتهم، وفضح الممارسات الطبية الزائفة.

ويستكشف الكتاب، من منظور فلسفي، عددًا من المفاهيم التي نُوقِشت وفقًا للمنهج التاريخي المقارن عبر عشرة فصول، منها العلاجات التقليدية وما يرتبط بها من دجل، والطب الحديث، والمرض، والتشخيص، والدواء والوقاية، والأخلاقيات الطبية. ويتقصّى ماريو بونجي عند فحصه بدقة كل مفهوم أورده في كتابه أثر الفلسفة في بناء التصورات النظرية عنه، مدافعًا بقوة عن الفلاسفة الذين أنزلوا العِلم منزلته الحقيقية، مثل: رينيه ديكارت أو برتراند رسل، ومُنتقدًا بلا هوادة الفلاسفة المُعادين للتصورات العلمية من القائلين بنسبية الحقيقة، والرافضين حتى لاختبارها في مواجهة الواقع. وهو الأمر الذي رآه مُدعمًا لهيمنة ما يُعرف بالطب البديل أو العلاجات التكميلية، وما يعنيه هذا من أخطار فِعلية على الصحة بوجه عام.

ويدافع المؤلف عن وجهة نظر تستند إلى فلسفة سمَّاها "الواقعية الطبية"، وهو نمط من التفكير لا يضع نظريات بشأن وجود مرض مُوحَّد على المستوى العالمي، فالأمراض موجودة في أصناف أو أنواع، وهي تعدُّ بهذا المعنى مجموعة من المفاهيم، وليست كلمات فحسب تُعبِّر عن وجود مرض بعينه. فمثلًا، "محموم" ليست كلمة فقط، لكنها مفهوم يُشير إلى شريحة واسعة من الناس الذين يُعانون الحمى، ولكن هذه الشريحة لا تُمثِّل مرضًا واحدًا بعينه؛ لأن الحمى علامة لأمراض كثيرة مختلفة.
 

الفلسفة الطبية
مفاهيم في الطب


تأليف: ماريو بونجي
ترجمة: محمود خيال
الناشر: المركز القومي للترجمة، 2024م