
يتماشى طرح عالِم الاجتماع الفرنسي جيرالد برونير، في هذا الكتاب المترجم حديثًا إلى العربية، مع تصوراته التي عرضها في مُؤلَّفات سابقة له، وخاصة كتابه "ديمقراطية السُّذج". ففي الكتابين ينتقد المؤلف أحدث الدراسات العلمية في علميّ النفس والاجتماع والعلوم المعرفية، وما تسبَّبت فيه التكنولوجيا الرقمية مُمثَّلة في أبرز تجلياتها: الإنترنت، من تأثيرات سلبية في قدرات البشر المعرفية والعقلية. فهي لم تستطع أن تزيد المعرفة العلمية، ولم تأتِ بمجتمع الحكمة، لكنها على العكس، أسهمت في انتشار الجهل، وأعلت شأن مضامين حسّية وعاطفية تغلب عليها التفاهة، ومحتوًى يفتقر إلى الدقة، ويصل في أحيان كثيرة إلى حد الزيف، ومعلومات سطحية مُضللة تستند أحيانًا إلى شذرات من الحقيقة لإضفاء قيمة مصطنعة عليها. وهي المضامين والمحتويات التي نجحت، على نحوٍ لافت غير مسبوق، في السيطرة على انتباه المتلقين واهتمامهم، بحيث باتوا يقضون جُلَّ أوقاتهم يتابعون بلا وعي أو تفكير نقدي شاشاتهم الرقمية التي تعرضها.
ويوضح المؤلف أن ما يزيد هذا الوضع سوءًا هو ما باتت تتمتع به الآلاتُ الذكيةُ المعتمدة على الخوارزميات من تفوق لا جدال فيه في مجالات عديدة، تجاوز حدَّ التفوق في القوة والسرعة في الأنشطة الحركية ليشمل التميّز الاستثنائي في تنفيذ مهام تتعلق في الأساس بالأنشطة المعرفية.
ويتمحور انتقاد المؤلف الشديد إلى ما آل إليه وضع قدراتنا الإبداعية التي تشهد تقلصًا لافتًا، على الرغم من تحرير الوقت الذهني المُتاح للبشر، بسبب التقدم التكنولوجي الذي عرفته حياتهم في مجالات عديدة، والذي كان من شأنه العمل على تطويرها وتنميتها. فثمة تسارع هائل للمعلومات الصحيحة والكاذبة على السواء، مُتاح طوال الوقت على شاشات الهواتف الذكية. وهذه الجلبة تجذب الانتباه، وتسطو عليه؛ لأنها تلعب على أوتار لا يمكن الفكاك منها، مثل الموضوعات التي تُثير الخوف المرتبطة بصحة الإنسان عمومًا، كما يحدث حين يتعلق الأمر بالأمراض. فشبكات التواصل الرقمية باتت "تُؤطِّر العالم بفزاعة الخوف".
ويحدث كذلك الاستلاب الذهني عبر الشاشات الرقمية، وفقًا لما يرى برونير، بسبب هيمنة ما يُعرف بـ"طُعم النقرات"، وتعني محاولة المواقع الإلكترونية "اصطياد" زبائنها المحتملين بعناوين وصور لموضوعات تثير فضولهم، مع أنها تبدو غير منطقية في أغلب الأحوال. وكذلك حرص بعضها على نشر الأخبار والقضايا الكفيلة بتأجيج نوبات الغضب بين زوارها، فالشبكات الاجتماعية "يمكن أن تُفاقِم التعبير عن الغضب والسخط الأخلاقي من خلال تضخيم مثيرات مسبباته"، وعبرها تنشأ معارك كلامية مفتعلة لا تنتهي.
ويُضاف إلى الأسباب التي استكشفها الكتاب، والتي فاقمت قدرة المنصات الرقمية على التهام وقت أدمغتنا المتاح، بحيث صارت "وحشًا ضاريًا" لا يُجارى في هذا الميدان، دوافعُ أخرى مثل الرغبة الجامحة عند قِطاع عريض من "الجمهور الرقمي"، وخاصة المراهقين، في الظهور الاجتماعي، عبر "اللايكات" والتشارك في المضامين.
ومع سيادة ظلال عميقة من التشاؤم في تحليل جيرالد برونير لاستفحال ما أطلق عليه "الأبوكاليبس المعرفي"، فقد قدَّم مجموعة من المقترحات لمحاولة الحدِّ منها، أبرزها ما ذكره على مستوى الأفراد، وهو السعي إلى تحقيق الاستقلال العقلي للفرد عبر تطوير قدراته على إرجاء الملذات الفورية التي يحققها له انغماسه في عوالم الترفيه الرقمي ومختلف المضامين التي تُنتج على المنصات الإلكترونية، والسعي إلى تعليمه كيفية التفكير على نحوٍ مغاير فيما يلوح في باله من حدسٍ خاطئ بشأنها.
ويوضح المؤلف أن ما يزيد هذا الوضع سوءًا هو ما باتت تتمتع به الآلاتُ الذكيةُ المعتمدة على الخوارزميات من تفوق لا جدال فيه في مجالات عديدة، تجاوز حدَّ التفوق في القوة والسرعة في الأنشطة الحركية ليشمل التميّز الاستثنائي في تنفيذ مهام تتعلق في الأساس بالأنشطة المعرفية.
ويتمحور انتقاد المؤلف الشديد إلى ما آل إليه وضع قدراتنا الإبداعية التي تشهد تقلصًا لافتًا، على الرغم من تحرير الوقت الذهني المُتاح للبشر، بسبب التقدم التكنولوجي الذي عرفته حياتهم في مجالات عديدة، والذي كان من شأنه العمل على تطويرها وتنميتها. فثمة تسارع هائل للمعلومات الصحيحة والكاذبة على السواء، مُتاح طوال الوقت على شاشات الهواتف الذكية. وهذه الجلبة تجذب الانتباه، وتسطو عليه؛ لأنها تلعب على أوتار لا يمكن الفكاك منها، مثل الموضوعات التي تُثير الخوف المرتبطة بصحة الإنسان عمومًا، كما يحدث حين يتعلق الأمر بالأمراض. فشبكات التواصل الرقمية باتت "تُؤطِّر العالم بفزاعة الخوف".
ويحدث كذلك الاستلاب الذهني عبر الشاشات الرقمية، وفقًا لما يرى برونير، بسبب هيمنة ما يُعرف بـ"طُعم النقرات"، وتعني محاولة المواقع الإلكترونية "اصطياد" زبائنها المحتملين بعناوين وصور لموضوعات تثير فضولهم، مع أنها تبدو غير منطقية في أغلب الأحوال. وكذلك حرص بعضها على نشر الأخبار والقضايا الكفيلة بتأجيج نوبات الغضب بين زوارها، فالشبكات الاجتماعية "يمكن أن تُفاقِم التعبير عن الغضب والسخط الأخلاقي من خلال تضخيم مثيرات مسبباته"، وعبرها تنشأ معارك كلامية مفتعلة لا تنتهي.
ويُضاف إلى الأسباب التي استكشفها الكتاب، والتي فاقمت قدرة المنصات الرقمية على التهام وقت أدمغتنا المتاح، بحيث صارت "وحشًا ضاريًا" لا يُجارى في هذا الميدان، دوافعُ أخرى مثل الرغبة الجامحة عند قِطاع عريض من "الجمهور الرقمي"، وخاصة المراهقين، في الظهور الاجتماعي، عبر "اللايكات" والتشارك في المضامين.
ومع سيادة ظلال عميقة من التشاؤم في تحليل جيرالد برونير لاستفحال ما أطلق عليه "الأبوكاليبس المعرفي"، فقد قدَّم مجموعة من المقترحات لمحاولة الحدِّ منها، أبرزها ما ذكره على مستوى الأفراد، وهو السعي إلى تحقيق الاستقلال العقلي للفرد عبر تطوير قدراته على إرجاء الملذات الفورية التي يحققها له انغماسه في عوالم الترفيه الرقمي ومختلف المضامين التي تُنتج على المنصات الإلكترونية، والسعي إلى تعليمه كيفية التفكير على نحوٍ مغاير فيما يلوح في باله من حدسٍ خاطئ بشأنها.
الأبوكاليبس المعرفي
كيف أوجدت اللاعقلانية العلم الحديث؟
تأليف: جيرالد برونير
ترجمة: جلال العاطي ربي
الناشر: صفحة سبعة، 2025م