Hero image

مقارنة بين كتابين

نوفمبر– ديسمبر | 2025

نوفمبر 9, 2025

شارك

تُعدُّ العضلات، بوصفها نسيجًا بيولوجيًّا حيًّا ورمزًا ثقافيًّا في آنٍ واحدٍ، المحور الأساس لكتابين بارزين صدرَا حديثًا: "أقوى" للكاتب الأمريكي مايكل جوزيف غروس، و"حول العضلات" للكاتبة بوني تسوي. يوجِّه كلٌّ من الكتابين نداءً مهمًّا لكل شخص ليُدرك أن العضلات ليست مجرد جزء من الجسم، بل هي شريك حيوي لا ينفصل عن الروح، ولها تأثير فعَّال ومهم في كيان الإنسان وإحساسه بذاته. 

يكشف غروس عن العمق الذي تحتله العضلات في تشكيل الهوية البشرية، مبتدئًا بسرد ظهورها في الأدب العالمي من خلال "إلياذة هوميروس" حين صوّرت عضلات المحاربين في معارك حرب طروادة، وأبرزتها عنصرًا جوهريًّا في سرد القصص الإنسانية. ثم يأخذنا إلى العصر الفيكتوري، مستعرضًا صالات الألعاب الرياضية، وكيف تحدَّت النساء القيود الاجتماعية وبَنَينَ القوة والعضلات عبر رفع الأثقال. كما يستعرض تجربة طبية حديثة في إحدى دُور رعاية المسنين بمدينة بوسطن الأمريكية؛ إذ كشفت طبيبة الشيخوخة، ماريا فياتاروني سينغ، أن بالإمكان لكبار السن في التسعينيات من عمرهم تحقيق مكاسب نسبية في القوة والعضلات تشبه ما يحققه الشباب في الثلاثين، شريطة ممارستهم المنتظمة لرفع الأثقال. ويؤكد غروس هذه الحقيقة قائلًا: "حتى في سن الشيخوخة... تبقى لكل فرد القدرة على التحكُّم في كيفية تأثير الزمن بجسده".

تتجلَّى هذه القصص في ظلِّ صراع تاريخي قديم بين مدربي الرياضة وبُناة الأجسام من جهة، والأطباء من جهة أخرى؛ إذ يُبرز هذا الصراع كيف أن الطب، على تطوُّره، كان بطيئًا في استيعاب العلوم المرتبطة بـ"المعرفة الجسدية"، في حين تفوَّقت الرياضة في تشكيل تصوُّر الجمهور عن الجسم الصحي. وفي سياق هذا النزاع، جرى اختزال العضلات إلى ثنائية بسيطة ومحدودة بين العقل والقوة الجسدية، وهو ما خلق تحيُّزًا مستمرًا ضد العضلات وضد تدريبات رفع الأثقال، التي هي أكثر أنواع التمارين فاعلية لبناء القوة والقدرة العضلية. وعلى ذلك، يرفض غروس بشدة الفكرة التقليدية التي تفصل العقل عن العضلات، واصفًا هذا الانفصال بـ"الهراء"؛ إذ يرى في العضلات كيانًا حيًّا ينبض بتواصل دائم مع الجهاز العصبي، فيعمل العقل والعضلات بتناغمٍ تامٍّ يشبه علاقة صداقة لا تنفصم. ويفصّل في كيفية تُحرَّك العضلات عبر تتابع دقيق من التوتر والاسترخاء، وهو ما يشكِّل إيقاعًا يُحرِّك أجسامنا، أو يعوق حركتها إذا غابت عنه التدريبات الملائمة.

أما كتاب بوني تسوي "حول العضلات"، فبعضه يغطّي الموضوعات نفسها لكتاب غروس، لكنه ينحو منحًى مختلفًا من حيث تناول موضوع العضلات من منظور علمي وشخصي وفلسفي. تعتمد تسوي في سردها على طفولتها التي تشكَّلت من خلال تجارب والدها الشغوف بالرياضة والفنون القتالية، وتُظهر تأثير ذلك في بروز شغفها الشخصي بالقوة واللياقة البدنية. يتداخل هذا الشغف مع تساؤلاتها المعاصرة حول معنى اللياقة، وتنعكس هذه الحيرة في سؤال ظلَّ يتردَّد في عقلها منذ أن طرحه عليها والدها ذات يوم: "هل أتحلى باللياقة البدنية؟"، وقد تحوَّل هذا السؤال الذي بدأ من مجرد مزحة إلى جديّة وجودية رافقتها على الدوام، لتصبح جزءًا محوريًّا من تفكيرها. لذلك، تستكشف تسوي معنى القوة بما يتجاوز القدرة الجسدية، وتُعيد تعريف اللياقة بعيدًا عن المظاهر السطحية، نحو نموذج رعاية ذاتية مستدامة تعزِّز الشخصية، مؤكدةً أن المسألة ليست مجرد اللياقة البدنية، بل العثور على التوافق الصحيح مع الذات.

من هنا، تقدِّم تسوي العضلات بوصفها روافد لقصص إنسانية عن القوة والحركة والمعنى، مؤكدةً أن هذه القصص عن العضلات أو هذه "الأشياء التي تحركنا"، كما وصفتها تسوي، تتجاوز السرد العلمي لتلامس عمق التجربة الإنسانية. وهي تعود إلى اقتباسٍ من عالم الأدب، من الأديب الروسي تولستوي تحديدًا: "أريد الحركة، لا مسار حياة هادئ"، وهو ما يعكس جوهر حياتنا التي تدفعها العضلات باستمرار. على أبسط المستويات، العضلات هي التي تمنح حياتنا الحيوية والقوة، فالعضلات الهيكلية، والعضلات الملساء، وعضلة القلب، التي تشكِّل أنواع العضلات الثلاثة المختلفة في أجسامنا، هي أساس في وجودنا. فهي التي تجعل قلوبنا تنبض، وتدفع كلًّا من الطعام عبر أمعائنا، والدم عبر أوعيتنا، والأجنة لتخرجها من الأرحام، كما أنها ترتبط بعظامنا لتتيح لنا الحركة. والعضلات الهيكلية هي التي نحركها بإرادتنا. أمَّا العضلات الأخرى، فتعمل تحت سيطرة أجسامنا دون جهد واعٍ منا. 

يقدِّم كتاب غروس القائم على الأدلة، ومذكرات تسوي التأملية، سردية جديدة تركز على "الذكاء العضلي". وكلا المؤلفين يستشهد بمقولة تشارلز شيرينغتون، عالم الأعصاب الحاصل على جائزة نوبل: "وجود الإنسان يرتبط بقدرته على تحريك الأشياء، والتقلُّص العضلي هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك"، ليؤكدان على أهمية العضلات في حياتنا؛ إذ إن قراراتنا بوصفنا أفرادًا أحرارًا تُترجَم إلى واقع من خلال أفعالنا الجسدية. ومن هذا المنطلق، يقدِّمان نصيحة جوهرية، مفادها أننا لكي نعيش حياة ذات معنى أو "حياة طيبة"، علينا أن نطوِّر نوعًا جديدًا من القوة، ترتكز على الحكمة والتوازن والتدريب المتواصل مع استغلال هذا الذكاء العضلي استغلالًا أفضل.

 

1- أقوى: القصة غير المروية للعضلات في حياتنا
تأليف: مايكل جوزيف غروس
Stronger: The Untold Story of Muscle in Our Lives by Michael Joseph Gross 
الناشر: Dutton، 2025م

2- حول العضلات: الأشياء التي تحركنا ولماذا هي مهمة
تأليف: بوني تسوي
On Muscle: The Stuff That Moves Us and Why It Matters by Bonnie Tsui 
الناشر: Algonquin Books، 2025م