تُقِرُّ الباحثة المغربية المُتخصصة في الأدب المقارن والفنون السردية، أسماء السكوتي، في بداية كتابها أن "في البدء كانت الكلمة"، لكنها تُشير في الوقت نفسه إلى أن "قبل الكلمة كان هناك الصوت المُتحرِّر من حبال المعنى وقيوده"؛ أي كان ثمَّة أصوات لم تُغلفها الكلمات، راوَحت بين الصراخ والتأوُّه والضحك والأنين، وابتعدت، في ذاتها، عن هَوَس البحث عن المعاني عند كل مَن يسمعها. وتتساءل كيف كانت استجابة أول إنسانٍ حاول أن يتكلم حين سمع صوتَه، هل انزعج؟ أم دُهش؟ أم استاء من نفسه وندم؟ وتُؤكِّد أن الصوت موضوع مُغرٍ للبحث؛ لأنه كامِن بين عالمين: أحدهما لامرئي وحميمي داخل الإنسان، والثاني علني يُراعي صاحبُه في أغلب القواعد المُتَّفَق عليها لتبادُل الكلام. هذا العمل الذي يحمل عنوان "أطراس الصوت"، هو في الأصل أطروحة المؤلفة لنيل درجة الماجستير، ويمكن النظر إليه على أنه محاولة لإعادة الاعتبار إلى الصوت وإمكاناته، ودعم لقيمته المُهدَرة.
والمقصود بـ"الطرس" هنا أنماط الكتابة التي شكَّلت الصوت عبر التاريخ، وعمليات المحو التي طالته؛ أي تلك التي هدفت إلى طَمْسِه وإخفائِه، خاصةً أصوات مَن يعجزون عن الكلام، وتظلُّ أصواتُهم حبيسةً ومُخْفاة.
وفي محاولتها وضع "الصوت" بسماته الزئبقية تحت مجهر البحث، تعتمد المؤلفة منهجًا أرادته شاملًا للإحاطة بـ"الظاهرة الصوتية"، فناقشت أطراس الصوت عبر أربعة فصول رئيسة، وهي: "الطرس النظري" ويناقش الكتابات التي تناولت مفهوم الصوت والتحولات التي طرأت على معناه؛ و"الطرس الأنطولوجي" ويبحث في طريقة توظيف الصوت لمقاومة ممارسات المجتمع بأوامره ونواهيه وأحكامه؛ و"الطرس السيموطيقي"، أي الدلالي، وهو يُحلِّل استعارات العقل والجنون المرتبطة بالصوت، و"الأسفار المتصدعة". في هذا الفصل يتعرَّف القارئ إلى مفهوم "السِّفر" الذي يجمع كل ما تناثر من مفاهيم سابقة ترتبط بالكشف عن الصوت، أو بمحوه والرقابة عليه؛ أي السِّفر الذي يناسب ماهية الصوت في تبعثره وارتحالاته، بعيدًا عن سيل الخطابات والأسماء المرتبطة به التي زادت "ضبابيته" حتى "تَعثَّر القبض عليه أو استحال" بحسب تعبير الكاتبة. إنه السِّفر الذي بوسعه أن يضم كل الأصوات التي لا سِفر لها، التي أُقصيت، ببساطة؛ لأنها عزفت وحدَها لحنًا آخر غير السائد والمألوف.
وتختم أسماء السكوتي كتابها بهذا السؤال: هل لنا أن نكتب عن الصوت؟ وتجيب باختصارٍ بأن الصوت هو من التعدد والتلوُّن، بحيث يصعب التعبير عنه بطريقة واحدة. فالصوت "مُراوِغ"، وتبقى "كُلُّ محاولةٍ لكتابته صبغًا لجلدٍ لا لون له؛ لأنه يضمُّ كل الألوان".
أطراس الصوت
تأليف: أسماء السكوتي
الناشر: الريس للنشر والتوزيع، 2025م