Loading component...
دُهش الأديب النمساوي روبرت موزيل (1880م – 1942م) عندما تبيّن له أن الحكماء يُفضِّلون الكتابة عن الحكمة أكثر من مناقشة "الغباء"، وهو ما يتَّضح في قِلَّة المساهمات التي عُنِيت بهذه المسألة. مع ذلك، لم تَغِب المسألة تمامًا، فقد ألقى يوهان إدوارد إردمان، تلميذ الفيلسوف الألماني هيغل، محاضرة بعنوان "عن الغباء"، وأشار في بدايتها إلى أنه بمجرد إعلانه عنها قُوبل بالضحك، وهو ما فسَّره موزيل بأن ثمَّة أمرًا خاصًّا في طريقة استجابة الناس لمن يحاول الحديث عن الغباء. ويعترف صاحب الرواية الشهيرة "رجل بلا صفات"، في سياق تبريره لسبب اختياره الكتابة عن الغباء، وهو ما نقرؤه في هذا الكتاب الذي يتضمَّن نَصَّ محاضرته التي ألقاها في فيينا عام 1937م، بأنه وجد نفسه ضعيفًا في مواجهة هذا الموضوع؛ لأنه باختصار "لا يعرف عنه شيئًا". مع أن الغباء، في رأيه، من أسئلة الحياة المهمة التي يتعيَّن الإجابة عنها بطريقة عقلانية وجادة. لهذا كله، قرَّر أن يصف تجلياته عبر تتبُّع استخدام كلمة "غباء" ومشتقاتها، والوقوف على أكثر الأمثلة شيوعًا عنه، مُحاوِلًا الربط بينها على أساس منهجيّ.
ويفسِّر روبرت موزيل في كتابه كيف استُخدم الغباء حيلةً لمن يريد أن يأمن جانب الذين يفوقونه سُلطةً وقوة. فالتظاهر بالغباء وسيلة آمنة تحمي الطرف الأضعف عندما يلجأ إليه ليبرهن على عجزه، بدلًا من تفاخره بالذكاء الذي قد ينقلب عليه في النهاية؛ لأنه قد يُثير غضب الطرف الأقوى أو أصحاب النفوذ الذين يرون أن الذكاء، خاصة إن لم يصاحبه الولاءُ المطلق، ما هو إلا وقاحة أو "خبث".
لكن يوضح الكاتب أن الغباء ليس دائمًا وسيلةً للحماية، بل قد يكون أحيانًا "فعلًا مستفزًّا"، ويُنفِد الصبر، وقد يُفضي إلى القسوة في حالات نادرة، حين يتمادى الأغبياء في إظهار ضعفهم، ويصيرون فريسةً سهلة تُشجِّع على الاعتداء عليهم، "مثلما تُشعِل رائحةُ الدم شهوةَ الصيد لدى المفترس"، بحسب تعبيره. ويؤكد أن ثمَّة علاقة وثيقة بين الغرور والغباء، فغالبًا ما يبدو الغبي مغرورًا؛ لأنه، ببساطة، "لا يمتلك الذكاء الكافي لإخفاء غروره". ويُميِّز روبرت موزيل بين نوعين من الغباء، الأول: بسيط ومباشر يتجلَّى في بُطء الفهم أو فيما أسماه "خط الاستجابة الطويل"، والثاني: غباء مُعقَّد وخادِع ينتج عن خللٍ في التوازن بين العاطفة والفكر، بسبب "التعليم الزائف أو الفهم المُشوَّه".
تأليف: روبرت موزيل
ترجمة: عبدالحكيم شباط
الناشر: منشورات الاختلاف ومنشورات ضفاف ودار سامح للنشر، 2025م