
دقَّت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا ناقوس الخطر بسبب ارتفاع حالات الاضطرابات النفسية، مشيرةً في بيانها الصادر في 2 سبتمبر 2025م إلى أن أكثر من مليار شخص حول العالم يعانون هذه الاضطرابات. ومع النقص الكبير في عدد المعالجين النفسيين في معظم دول العالم، بدأت أعدادٌ متزايدة من المراهقين والشباب اللجوءَ إلى العلاج بالذكاء الاصطناعي بوصفه خيارًا بديلًا أو مكملًا للعلاج التقليدي.
على سبيل المثال، ذكرت مجلة (Psychology Today) في أغسطس 2025م، أن نحو 22% من البالغين الأمريكيين وجدوا بعض الراحة في استخدام روبوتات الدردشة الخاصة بالصحة العقلية لأغراض علاجية. وفي الوقت نفسه، بدأ عددٌ من المعالجين النفسيين الاستفادةَ من أدوات الذكاء الاصطناعي لدعم عملهم، وفقًا لما نشرته مجلة (American Psychological Association) في مارس 2025م.
في ظل هذه الحقائق، بدأ يبرز الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة مساعدة مهمة، بفضل مميزاته التي تمنحه مرونة كبيرة في التعامل مع الحالات النفسية المختلفة. وأبرز هذه المميزات هي الخصوصية؛ إذ قد يشعر البعض بالحرج عندما يتحدث عن مشكلة نفسية أو عاطفية مع شخص حقيقي ومختص. لذا، فاللجوء إلى الدردشة الآلية وجعلها مساعدًا نفسيًّا يمنح المستخدم شعورًا أكبر بالأمان والحرية في التعبير عن مشاعره. كما توفر الدردشة الآلية تكلفة منخفضة أو مجانية، وهو ما يتيح لعدد أكبر من الأشخاص الاستفادة من دعمها دون عبء مادي كبير.
ويُعدُّ الذكاء الاصطناعي أداةً واعدةً لتحسين الوصول إلى العلاج، ولا سيَّما في المناطق النائية التي تفتقر إلى الخدمات النفسية التقليدية؛ إذ يمكنه تقديم الدعم بسهولة أكثر. على سبيل المثال، تعاني نيجيريا نقصًا حادًّا في عدد المعالجين النفسيين؛ إذ يُقدّر عددهم بأقل من 300 طبيب نفسي لخدمة أكثر من 200 مليون نسمة. هذا النقص الكبير، إلى جانب انتشار الأمراض النفسية بين السكان، دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي، نظرًا لأنه خيار فعّال للحصول على الدعم النفسي، وفقًا لما نشره موقع (BMC Psychiatry) في 7 يوليو 2025م.
ومع كل هذه الفوائد والمميزات للذكاء الاصطناعي في العلاج النفسي، لا يخلو استخدامه من سلبيات وقيود ينبغي أخذها في الاعتبار. فبعض الحالات النفسية تحتاج إلى التفاعل الإنساني للحصول على فهمٍ أدق للسلوكيات والمشاعر، لكن الدردشة الآلية تفتقر إلى التعاطف البشري، وهذا يؤدي إلى تقديم حلول متباينة وغير دقيقة لا تتلاءم مع الفرد وظروفه الخاصة.
وتمتد المخاطر إلى الحياة الاجتماعية كذلك، فبعد أن اعتمد بعض الشباب والمراهقين على الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم في حل مشكلاتهم النفسية والعاطفية، وجدوا أنفسهم اليوم أمام مشكلات جديدة، أهمها صعوبة طلب المساعدة من مختص، أو من أحد أفراد العائلة أو صديق مقرب؛ لاعتقادهم بكفاية الذكاء الاصطناعي لحلِّ جميع مشكلاتهم.
كما يصبح بناء حوارات عاطفية عميقة أو إيجاد حلول لمشكلاتهم النفسية والاجتماعية أصعب عليهم؛ لأنهم اعتادوا اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي الذي يقدّم لهم حلولًا أسرع، ويبسّط الأمور، ويجعلهم يشعرون بأنهم دائمًا على صواب. هذا الاعتماد يجعلهم يبتعدون عن البشر؛ إذ يجدون التعامل مع الآخرين أكثر تعقيدًا مقارنة بالسهولة التي وجدوها مع الآلة.
مؤخرًا، شارك عددٌ من الأطباء النفسيين آرائَهم حول استخدام الذكاء الاصطناعي في العلاج النفسي على موقع (The Guardian) في 30 أغسطس 2025م، وأعربوا عن قلقهم إزاء الإفراط في الاعتماد عليه. ولا ينفي هؤلاء الأطباء أنّ الدردشة الآلية توفر نصائح وحلولًا مفيدة في كثير من الحالات، إلا أن بعض الأشخاص قد يتلقون معلومات مضلِّلة أو غير دقيقة حول صحتهم النفسية، وهو ما قد يزيد شعورهم بالقلق أو يخلق لديهم أفكارًا وهمية نتيجة تشخيص غير دقيق.
ومع تداخل الإيجابيات والسلبيات، وتباين الآراء بين مؤيدين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي فرصة لتوسيع نطاق العلاج النفسي وتسهيل معرفة الحالات النفسية اليومية، ومعارضين يحذّرون من مخاطره، يبقى التحدِّي الحقيقي هو إيجاد توازن واقعي يضمن الاستفادة من إمكاناته، مع الحفاظ على جوهر التفاعل الإنساني في العلاج النفسي.
لا شك أن الذكاء الاصطناعي يمثِّل أداةً واعدةً يمكن أن توسّع الوصول إلى الدعم النفسي، وتخفّف الضغط عن المعالجين البشريين، وتفتح آفاقًا جديدة في تطوير أدوات العلاج والدعم النفسي. ولكن يجب استخدامها بحذر، مع الموازنة بينها وبين التفاعل الإنساني؛ لضمان فهم أعمق لمشاعر المرضى واحتياجاتهم. فالعلاج النفسي يحتاج إلى تعاطف بشري دافئ، وإلى الإصغاء، وفهم التجربة واحتوائها بروح إنسانية. ولهذا، من الضروري وضع حدود لاستخدام هذه التقنية، والتذكير دائمًا بأن وجودها يجب أن يكون مساعدًا ومكملًا للبشر، لا بديلًا عنهم.