Hero image

أسطورة رائد الأعمال.. فك مخيال وادي السيليكون

أغسطس 17, 2025

5 دقائق

شارك
يُفكِّكُ أستاذ العلوم الإدارية بجامعة سانت- إيتيان، أنطوني غالوزو، في هذا الكتاب، ما قدَّره أسطورة نُسجت حول شخصية رائد الأعمال انعكست في تمثُّلات مفرطة في إيجابيتها لنماذج بعينها، تنتشر بطريقة مُتكرِّرة في الخطاب الإعلامي، لا تخضع للتفكير، وغير قابلة للجدل، وتحظى بالجاذبية وبالقدرة على التعبئة، ثم بتقدير مُعتبَر من المتلقين على اختلاف أنواعهم، فيشكلون تصوراتهم عن روَّاد الأعمال بوصفهم "مبدعين" و"عباقرة"، و"بوسعهم تغيير العالم".
وسيفهم القارئ أن المؤلف، وإن لم يَذكر ذلك صراحة، لا ينتقد رُوَّاد الأعمال في ذواتهم، أو يُشكك في إمكان وجود أشخاص متفردين في قُدرتهم الابتكارية، إنما يجادل،  استنادًا إلى   مقولات عِلميّ الاجتماع والاقتصاد بشكل عام، حول  ما سمَّاه أفكار "تسامي البطل وتجاوزه" النابعة من تصوُّر للتاريخ من منظور بطولي يُضفي تقديرًا مغلوطًا ومبالغًا فيه على شخصيات قليلة تظهر في بعض مراحله عدَّها استثنائية؛ لأنها "بنَت نفسها بنفسها"، لكونها تتمتع بالرؤية التنبئيَّة وبالإلهام والإرادة الجامحة وبـ"قوة مُخلخِلة" تمكنها  التخلص من كافة الأزمات؛ لأنها هي التي "تُحدِّد أحوال ما حولها"، وهو ما ينطبق على عديدٍ من رُوَّاد الأعمال الذين انطلق أغلبهم من وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا. وفي هذا السياق، يؤكد أن مثل هذا التصوُّر لا يأتي خاليًا من الغرض، فهو يهدف في الأساس إلى تحقيق مصالح سياسية واقتصادية معينة عند الترويج بطريقة ممنهَجة لمثل هذا النوع من المعتقدات.  
يوضِّح المؤلف أن رائد الأعمال الذي يتحدث عنه ليس فاعلًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا، بل هو "صِنفٌ خطابي"، مثل "نشيد مقدّس يعلمنا كيف يجب أن نحيا هذه الحياة"، إنه "مبدع خلَّاق يقود بأفعاله الأسواق" و"كل شيء يؤدي إليه"؛ لذلك فهو يُعَدُّ بامتياز "شخصية إعلامية" تشكَّلت ملامحها الأسطورية في خيال الجمهور فصارت كأنها "مُنتَجٌ" من المنتجات. وقد اهتم الفصلان الأول والثاني من الكتاب، الذي يضم خمسة فصول، بتحديد العناصر المُكوِّنة لحبكات هذه الأسطورة وافتراضاتها ومعجمها الدلالي من خلال دراسة مُتعمِّقة لسيرة المخترع ورجل الأعمال الأمريكي ستيف جوبز، وتحليل كيف صار أيقونةً لتجسيد العبقرية الصناعية بعد أن أحدث ثورةً في الإعلام الآلي بداية من سبعينيات القرن العشرين باختراعاته أجهزةَ "الأيبود" و"الأيفون" و"الأيباد".
وفي الفصل الثالث من الكتاب، يُؤصِّل المؤلف نشأةَ أسطورة رُوَّاد الأعمال التي يُرجِعُها إلى نهاية القرن التاسع عشر، ساعيًا نحو فهم أفضل للكيفية التي تطورت بها مُكوِّناتها والتعرّف إلى عناصر التشابُه مع الأسطورة النظيرة في عالمنا الراهن، التي لخَّصها في أن النمطين القديم والحديث من التصوُّر الأسطوري لرائد الأعمال يُروِّجان له بوصفه تجسيدًا للتقدُّم من خلال التكنولوجيا من أجل رفاهية البشر وازدهارهم. وينتقل أنطوني غالوزو في الفصل الرابع إلى الحديث عن الوجه الآخر المنسي من أسطورة روَّاد الأعمال في وادي السيليكون، فيقصُّ بعض حكايات العمال الفقراء هناك، ويستعرض بعض الإحصاءات المرتبطة بالحوادث والأمراض المرتبطة ببيئة العمل. ويُخصِّص الفصل الخامس لاستكشاف سِمات رائد الأعمال "الحقيقي" الأقل أسطوريةً والأكثر واقعيةً، الذي يهتمُّ علم الاقتصاد بتحليل أفعاله وطبيعة أدوارهِ، كما أقرَّها مجال العلوم الإدارية ومقارنتها بمجموعة الأفكار التي "تغلغلت" في بنية مجتمعاتنا المعاصرة المرتبطة برائد الأعمال في نسخته الأسطورية.
 

 

أسطورة رائد الأعمال.. فك مخيال وادي السيليكون
تأليف: أنطوني غالوزو
ترجمة: عبد القدوس سماتي
الناشر: نماء للبحوث والدراسات، 2024م