
ينشغل عالم الاجتماع الفرنسي، جان كلود هوفمان، بتفاصيل الحياة اليومية التي غالبًا ما تمرُّ بنا دون أن نوليها أي انتباه، على الرغم من حضورها الدائم في مشهدنا المعيشي. فبعد أن كتب عن "دفء المنزل" و"الحياة العادية" و"حقيبة اليد" و"أواني الطهو"، ها هو يكرّس كتابه الجديد لموضوع يبدو في غاية الاعتياد: الجوارب.
لا يخرج هذا الموضوع عن إطار تخصص هوفمان المعروف، وهو "علم الاجتماع الجزئي"، الذي يركّز على دراسة السلوك البشري في نطاقه الضيق؛ إذ التفاعل المباشر وجهًا لوجه، وعلاقة الإنسان بمحيطه وبالأشياء التي يتعامل معها يوميًا، مهما بدت هامشية.
منذ مقدمة الكتاب، يوضّح المؤلف أن هدفه ليس تقديم عمل موسوعي عن الجورب، فلن يخرج القارئ منه بمعرفة شاملة عن هذا الغرض القماشي الذي يُغطّي القدم حتى منتصف الساق، بل سيطّلع فقط على جانب من تاريخه وحضوره في حياتنا. هذه المقاربة المتعمّدة تنطلق من رغبة هوفمان في قول ما لا يُقال عادةً؛ نوع من "بوح الجوارب" للكشف عن أسرار العالم من حولنا.
في ثنايا الكتاب، يعرض هوفمان علاقات بعض العلماء بالجوارب، مشيرًا إلى أن أينشتاين، مثلًا، كان يتجاهل ارتداءها، وهو ما جعله عُرضة للسخرية أحيانًا في أروقة جامعته. في المقابل، نجد علماء آخرين جعلوا من الجورب موضوعًا لدراساتهم أو استعارات في مؤلفاتهم، مثل روب إيستاواي الذي ألَّف كتابًا بعنوان "كم عدد الجوارب التي تكوّن زوجين؟"، والفيزيائي الإيرلندي الشمالي جون بِل، الذي نشر عام 1981م دراسة شهيرة بعنوان "جوارب بيرتلمان وطبيعة الواقع"، نسبةً إلى زميله النمساوي رينهولد بيرتلمان، الذي كان يرتدي دائمًا جوارب غير متطابقة الألوان. كما يذكر البلجيكي جون بريكمونت، الذي دخل هو الآخر في هذا الجدل المتعلق بإمكانية فهم الواقع من خلال اختيارات البشر لأشيائهم البسيطة.
لكن هوفمان يرى أن هؤلاء العلماء استخدموا الجورب بوصفه أداة رمزية فقط، وسرعان ما تخلّوا عنه بعد أن أدّوا حججهم، دون التوقف عند "ماهية" الجورب نفسه أو دلالاته في الحياة اليومية. لقد تعاملوا معه على أنه قطعة قماش يُلقى بها جانبًا بعد الانتهاء من التجربة.
يمتد كتاب هوفمان عبر أربعة أقسام يتعمق فيها فيما يُسميه "تأثير الجورب"؛ أي حضوره في التفكير اليومي، حتى وإن بدا هذا النوع من التأمل في الظواهر العادية سطحيًا أو تافهًا للوهلة الأولى. فكم من مرة تساءلنا عن المكان المناسب لحفظ الجورب؟ أو متى يُعَدُّ متسخًا؟ وهل يستحق الكي؟ وماذا نفعل حين يُصاب بثقب؟ بهذه الأسئلة وغيرها، يفتح هوفمان بابًا لتأمل "الحياة السرية" لهذا العنصر المهمل بين الإكسسوارات؛ إذ يكتب: "الجورب لا يظهر إلا نادرًا، وبشكل سري، ومعظمه محكوم عليه بالنسيان".
بل إن ظهوره العَرَضي غالبًا ما يكون مصحوبًا بانفعالات سلبية: مثل الإحباط من فقدان فردته الأخرى، أو الغضب من الزوج الذي يتركه مرميًّا في منتصف الغرفة بعد يوم عمل، أو حتى الشعور بالخزي حين يظهر عليه عيب ما في مكان عام.
ويفيض الكتاب بحكايات من الواقع، تظهر فيها الجوارب بوصفها أكثر من مجرد غرض يومي. فهي، في بعض الحالات، تعكس الوضع الاجتماعي. فكلَّما انخفضت مكانة الشخص، ازدادت أهمية الجورب في هرم أحلامه. فبالنسبة إلى المحتاجين والمهمّشين، يمكن للجورب أن يرمز إلى شيء بعيد المنال. يستشهد هوفمان بحكاية امرأة فرنسية تُدعى أوديل، سرقت جوربًا رياضيًّا من علامة تجارية معروفة سعره 9.5 يورو، بعد أن عجزت عن شرائه بوسيلة مشروعة، فحُكم عليها بالسجن سنتين.
ويتوقف المؤلف في رصده لما يُمكن تسميته "طبائع الإنسان الجوربية"، عند الجورب الأبيض مثلًا، بوصفه رمزًا للذوق السيئ عندما يُرتدى مع بذلات رسمية وأحذية جلدية. كما يناقش ظاهرة "الجوارب اليتيمة" التي لا يُعثر على فردتها الأخرى مهما طال البحث، ويفرد مساحة للمقارنة بين الجوارب الرجالية والنسائية، من حيث الوظيفة والدلالة والشكل.
باختصار، يُعيد هوفمان عبر هذا الكتاب النظر في "العادي" و"المألوف"، مؤكدًا أن الأشياء الصغيرة تُخفي أحيانًا عوالم كاملة من المعاني والسلوكيات الإنسانية، يكفي فقط أن ننظر إليها بعيون جديدة.
لا يخرج هذا الموضوع عن إطار تخصص هوفمان المعروف، وهو "علم الاجتماع الجزئي"، الذي يركّز على دراسة السلوك البشري في نطاقه الضيق؛ إذ التفاعل المباشر وجهًا لوجه، وعلاقة الإنسان بمحيطه وبالأشياء التي يتعامل معها يوميًا، مهما بدت هامشية.
منذ مقدمة الكتاب، يوضّح المؤلف أن هدفه ليس تقديم عمل موسوعي عن الجورب، فلن يخرج القارئ منه بمعرفة شاملة عن هذا الغرض القماشي الذي يُغطّي القدم حتى منتصف الساق، بل سيطّلع فقط على جانب من تاريخه وحضوره في حياتنا. هذه المقاربة المتعمّدة تنطلق من رغبة هوفمان في قول ما لا يُقال عادةً؛ نوع من "بوح الجوارب" للكشف عن أسرار العالم من حولنا.
في ثنايا الكتاب، يعرض هوفمان علاقات بعض العلماء بالجوارب، مشيرًا إلى أن أينشتاين، مثلًا، كان يتجاهل ارتداءها، وهو ما جعله عُرضة للسخرية أحيانًا في أروقة جامعته. في المقابل، نجد علماء آخرين جعلوا من الجورب موضوعًا لدراساتهم أو استعارات في مؤلفاتهم، مثل روب إيستاواي الذي ألَّف كتابًا بعنوان "كم عدد الجوارب التي تكوّن زوجين؟"، والفيزيائي الإيرلندي الشمالي جون بِل، الذي نشر عام 1981م دراسة شهيرة بعنوان "جوارب بيرتلمان وطبيعة الواقع"، نسبةً إلى زميله النمساوي رينهولد بيرتلمان، الذي كان يرتدي دائمًا جوارب غير متطابقة الألوان. كما يذكر البلجيكي جون بريكمونت، الذي دخل هو الآخر في هذا الجدل المتعلق بإمكانية فهم الواقع من خلال اختيارات البشر لأشيائهم البسيطة.
لكن هوفمان يرى أن هؤلاء العلماء استخدموا الجورب بوصفه أداة رمزية فقط، وسرعان ما تخلّوا عنه بعد أن أدّوا حججهم، دون التوقف عند "ماهية" الجورب نفسه أو دلالاته في الحياة اليومية. لقد تعاملوا معه على أنه قطعة قماش يُلقى بها جانبًا بعد الانتهاء من التجربة.
يمتد كتاب هوفمان عبر أربعة أقسام يتعمق فيها فيما يُسميه "تأثير الجورب"؛ أي حضوره في التفكير اليومي، حتى وإن بدا هذا النوع من التأمل في الظواهر العادية سطحيًا أو تافهًا للوهلة الأولى. فكم من مرة تساءلنا عن المكان المناسب لحفظ الجورب؟ أو متى يُعَدُّ متسخًا؟ وهل يستحق الكي؟ وماذا نفعل حين يُصاب بثقب؟ بهذه الأسئلة وغيرها، يفتح هوفمان بابًا لتأمل "الحياة السرية" لهذا العنصر المهمل بين الإكسسوارات؛ إذ يكتب: "الجورب لا يظهر إلا نادرًا، وبشكل سري، ومعظمه محكوم عليه بالنسيان".
بل إن ظهوره العَرَضي غالبًا ما يكون مصحوبًا بانفعالات سلبية: مثل الإحباط من فقدان فردته الأخرى، أو الغضب من الزوج الذي يتركه مرميًّا في منتصف الغرفة بعد يوم عمل، أو حتى الشعور بالخزي حين يظهر عليه عيب ما في مكان عام.
ويفيض الكتاب بحكايات من الواقع، تظهر فيها الجوارب بوصفها أكثر من مجرد غرض يومي. فهي، في بعض الحالات، تعكس الوضع الاجتماعي. فكلَّما انخفضت مكانة الشخص، ازدادت أهمية الجورب في هرم أحلامه. فبالنسبة إلى المحتاجين والمهمّشين، يمكن للجورب أن يرمز إلى شيء بعيد المنال. يستشهد هوفمان بحكاية امرأة فرنسية تُدعى أوديل، سرقت جوربًا رياضيًّا من علامة تجارية معروفة سعره 9.5 يورو، بعد أن عجزت عن شرائه بوسيلة مشروعة، فحُكم عليها بالسجن سنتين.
ويتوقف المؤلف في رصده لما يُمكن تسميته "طبائع الإنسان الجوربية"، عند الجورب الأبيض مثلًا، بوصفه رمزًا للذوق السيئ عندما يُرتدى مع بذلات رسمية وأحذية جلدية. كما يناقش ظاهرة "الجوارب اليتيمة" التي لا يُعثر على فردتها الأخرى مهما طال البحث، ويفرد مساحة للمقارنة بين الجوارب الرجالية والنسائية، من حيث الوظيفة والدلالة والشكل.
باختصار، يُعيد هوفمان عبر هذا الكتاب النظر في "العادي" و"المألوف"، مؤكدًا أن الأشياء الصغيرة تُخفي أحيانًا عوالم كاملة من المعاني والسلوكيات الإنسانية، يكفي فقط أن ننظر إليها بعيون جديدة.
تأليف: جون كلود هوفمان
ترجمة: أماني مصطفى
الناشر: العربي، 2025م