Hero image

كتابة الظل..الفوتوغرافيا من النشأة إلى المعاصرة

سبتمبر – أكتوبر | 2025

سبتمبر 30, 2025

شارك
يصف الناقد الجمالي المغربي عزالدين بوركة كتابه على صفحة الغلاف الداخلية بأنه "شذرات تأملية".  وينفي هذا الوصف كونه سردًا تاريخيًّا للفوتوغرافيا منذ نشأتها حتى وقتنا الراهن وحسب؛ لأن فِعل التأمل يذهب إلى ما هو أبعد من تحديد الفترات الحاسمة في تطوُّر فنٍّ ما، على مستوى الابتكار والممارسة والتأثير، ليضيف إطارًا نظريًّا وفلسفيًّا بوسعه الإسهام في فهم ماهية هذا الفن وآليات عمله في الوقت نفسه.

وتؤكد السطور الأولى من هذا العمل التوجُّه الشـاعري التأمـلي لمؤلِّفه، فنراه يكتب: "في البدء لم يكن النـور، بل الظل، يسكن الزوايا ويتربص في حواف الأشيـاء. كان لكل شيء ظِلُّه، كما لو كان الكون قد انبثق من عتمة الأبدية، وكل شيء هو صدى لوجودٍ آخر مخفي". ثم يعلن عن موضوعه، وهو الفوتوغرافيا، التي يرى أنها قد "بزغت من رحم هذه الظلال، كأنها محـاولةٌ جنونية للقبض على ما لا يُمسك".

موضوعات الكتاب لم تأتِ في فصولٍ، بل في نقاطٍ محورية تُشكِّل في مُجملِها تصورًا متماسكًا يُبرِزُ خصائص فن الفوتوغرافيا وحدوده. وقد حملت عناوين متنوعة منها: "الفانوس الشيطاني"، و"القمرة المظلمة" و"الغرفة المضيئة" و"الابن العاق"، و"الفوتوغرافيا التشكيلية"، و"البورتريه، أو فوتوغرافيا الوجه" و"الأثر من منظور بانورامي"، و"فوتوغرافيا الجسد بين التسليع والتحرير". 

في الكتاب يُقارِنُ المؤلِّف بين فن الرسم التشكيلي التصويري والتجريدي وفن التصوير الفوتوغرافي، وكيف استمر هذا الأخير في إدارة حوار مستمر مع الرسم، ولا سيَّما في فترة البدايات، من خلال استعارة عناصر التكوين والضوء ومعالجة الموضوعات. ويناقش ما يُعرف بـ"الفوتوغرافيا التشكيلية"، التي تصير الفوتوغرافيا فيها أداةً للتشكيل البصري والفني تُعالِج تصوراتٍ فلسفيةً للمصور. كما يُحلِّل العلاقة بين السينما بوصفها فنَّ الصور المتحركة، والفوتوغرافيا بوصفها فنَّ الصور الثابتة، من حيث قدرتهما على صياغة تجارب حسية بصرية محفزة للخيال.

وسيجد القارئ في هذا العمل استدعاءً لشخصياتٍ كان لها أدوار فاصلة في ابتكار التصوير الفوتوغرافي، وإسهامات في ترسيخ دوره ومكانته التوثيقية، وكذلك بوصفه فنًّا تشكيليًّا بصريًّا في المجتمع، ولا سيَّما في المراحل الأولى لنشأة هذا الفن، بداية من: جوزيف نيسيفور نيبس، صاحب أول صورة فوتوغرافية أبدعها قبل نحو قرنين من الزمان، عام 1826م؛ والفنان مان راي الذي نجح في ابتكار صورٍ خلَّاقةٍ بالمزج بين الضوء والظِّل؛ وجورج إيستمان، مبتكر الكاميرا كوداك التي انتشر معها التصوير بين الهُواة؛ ولوي داغير الذي التقط أول صورةٍ فوتوغرافية احتوت على "هيئةٍ" لإنسان في عام 1838م، وكانت لرجل يقف ثابتًا ليُلمّع حذاءه؛ والفيلسوف الألمــاني والتر بنيامين الذي أُعجب جدًّا بما للصورة الفوتوغرافية من تأثير قوي في "جَذْبِ الانتباه ونَقْلِ الحاضر إلى المستقبل"، وعدَّها وسيلة ديمقراطية تُتيح التعبير عن أطياف واسعة من الناس.
 

 

تأليف: عزالدين بوركة
الناشر: خطوط وظلال، 2025م