
الوجه الحسن
سبتمبر 8, 2025
15 دقيقة
تصوير: خليل أبو النصر
على الطرف الشمالي من الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر، وعلى ربوة صخرية مستوية، ترتفع عن مستوى سطح البحر خمسين مِترًا، تقف بخيلاء مدينة صغيرة، رائعة البهاء، ناصعة البياض، حباها الله بموقع ساحر ومناخ فريد، تلك هي الوجه.. اسمًا ومعنى.
غادرنا مطار جدة إلى الوجه صباح يوم من أيام شهر حزيران القائظ، وكانت الطائرة تحلق على ارتفاع 14,000 قدم محاذية الساحل في مسارها.. كُتَل الضباب كالجبال تحجب مياه البحر، وتزاحمت الأفكار السوداء في رأسي عن الوجه ككتل الضباب التي كنت أراها من خلال النافذة: قد تكون الوجه قرية متواضعة تضم بضعة بيوت لم تمتد إليها يد التطور والتقدم.. الحرارة فيها شديدة، والرطوبة عالية، شأنها في ذلك شأن معظم المدن الساحلية في المملكة، أما المرافق العامة فقد تكون الوجه خلوًّا منها.
هذه الأفكار أخذت تستبد بي، ولم أتخلص منها إلا عندما حطّت بنا الطائرة في مطار الوجه. وما أن فُتِح باب الطائرة حتى استقبلتنا نسائم باردة منعشة على غير ما كنت أتوقع، برغم أن الشمس كانت تزحف إلى كبد السماء. وأَخَذَت تلك الصورة القائمةُ السوداء التي رسمها خيالي تتبدّد عندما نزلنا في المدينة البيضاء.
موقع خلّاب ومناخ فريد
ساءني أن ياقوت الحموي لم يذكر شيئًا عن الوجه في كتابه "معجم البلدان"، وكذلك لم يمر بهذه البلدة الجميلة كثير من الرحّالين العرب كابن بطوطة، وابن جبير، والإدريسي، وغيرهم. وهذا يجرُّ إلى الاعتقاد بأن الوجه ليست قديمة، فقد لا يتجاوز عمرها 300 سنة. وإذا نظرنا إلى "المصور الجغرافي" نجد أن الوجه تقع على خطِّ عرض 26° درجة و14 دقيقة شمالًا، وخط طول 36° درجة و27 دقيقة شرقًا.
ويحيط بها من الجنوب خليج صغير يبلغ طوله حوالي كيلومترين، وعرضه 250 مترًا، ينتهي فيه وادي "زريب" الفسيح الذي ينحدر من جبل "الحميرة" في الشرق على بعد 12 كيلومترًا من الوجه. وجدير بالذكر أن الحي القديم المسمى "محلة الساحل" يقوم على محاذاة الخليج الجميل، حتى أن أمواجه تتكسر برفق على جدران البيوت. أما الوجه الجديدة فتقوم على تلّة شاهقة تتصل بالحي القديم بِدَرج من الاسمنت، له حواجز من المواسير، ويبلغ طوله 1,400 متر. وتبدو الوجه من الطرف الجنوبي للخليج مع ذلك السور كأنها صورة رائعة احتواها إطار بديع.
وإلى جانب ذلك الموقع الممتاز، فإن مدينة الوجه تتمتّع بمناخ فريد، خلافًا للمناطق المجاورة لها من جميع الجهات، فتتراوح درجة الحرارة في الصيف نهارًا بين 26° و28° مئوية، وليلًا بين 18° و22°. وهواؤها عليلٌ يخلو من الرطوبة، وعند الظهيرة تهب على المدينة نسائم البحر اللطيفة، فإذا ما داعبت عينيك فإنها تبعث في جسمك خَدَرًا لذيذًا لا تلبث معه إلا أن تستسلم لإغفاءة هادئة. أما شتاؤها فمعتدل لطيف. وهنا لا أملك إلا أن أقول إن موقع "الوجه" الفريد يجعل منها مصيفًا نادرًا في المملكة، ومركزًا سياحيًّا ممتازًا صيفًا وشتاء، نظرًا لاعتدال مناخها، وما تمتاز به من شواطىء جميلة، وخليج هادىء، وجبال سامقة، وسهول فسيحة، وأودية عديدة. إن إقامة فندق سياحي حديث فيها سيعود عليها بالنفع العظيم ويجلب إليها المصطافين من جميع أنحاء المملكة، بل ومن الخارج أيضًا.

منظر عام للجزء الجنوبي الشرقي من مدينة الوجه ويبدو في أقصى الصورة مدرستان للبنين إحداهما متوسطة والأخرى ابتدائية.
تبدو الوجه في أروع بهائها ورونقها قبيل شروق الشمس وقبيل غروبها.. عندما تقف على حافة الربوة عند الزاوية الجنوبية الغربية التي تطل على وادي "زريب" الأخضر، ومن ورائها يقف شامخًا جبل "الحميرة" ذو الصخور النارية الداكنة والقمم المسنونة كالحراب هناك، مع خيوط الفجر الأولى سرّح ناظريك في الوادي الفسيح، وارقب ذكاء وهي تتململ خلف القمم في خفر ودلال، وشاهدها وهي ترسل أشعتها الذهبية على أشجار النخيل في الوادي وعلى صفحة المياه اللازوردية في الخليج، وعلى سطوح البيوت المعلقة على حافة الربوة، ثم ارقب ذكاء ثانية وهي تغرق في اللجة شيئًا فشيئًا، مخلِّفة وراءها وشاحًا أحمر.
وفي الصباح الباكر تشاهد البدو قادمين من الشرق مع مواشيهم وإبلهم المُحمَّلة بالفحم الخشبي، والسمن، والصوف، وحشيش "القبا" المجدول كالضفائر، وهم متجهون نحو السوق القديم في محلة "الساحل". كما أنك تشاهد صيادي الأسماك في قواربهم الصغيرة وهم عائدون من رحلات الصيد في الليل ليلقوا بأحمالهم في سوق السمك القائمة على طرف الخليج الشرقي.
مجتمع نشيط
يذكر محمد لبيب البتنوني في كتابه "الرحلة الحجازية" عام 1910م أن في الوجه نحو أربعين بيتًا صغيرًا وأن عدد أهلها لا يزيد على 500 نفس، كلهم تقريبًا عائلة واحدة تسمى عائلة "البديوي". هذا ما ذكره البتنوني عن حجم الوجه وعدد سكانها، إلا أنها الآن تضم زهاء 15 ألف نسمة، وأن يد العمران أخذت تنشط في الآونة الأخيرة، فامتدت على طول الهضبة شمالًا وشرقًا. وقد قامت البلدية بتخطيط جديد للمدينة، فشقّت الشوارع الواسعة، وبنت الأسواق الحديثة.
وأهالي الوجه شعارهم النشاط والعمل. فهم يعتمدون على التجارة، وصيد الأسماك، والزراعة على نطاق ضيق، إلا أن كثيرًا منهم يعملون في أجهزة الدولة.
وإذا كنت في الوجه فحذارِ أن تلقي بورقة في الشارع، أو تطرح بعض النفايات خارج منزلك أو دكانك، وإلا عرّضت نفسك لدفع غرامة قدرها "خمسون" ريالًا. ولن يتهاون رئيس البلدية السيد "عباس حمزة أحمد" في هذا الأمر طالما أنه أَمَرَ بوضع برميل أمام كل بيت لجمع القمامة. وفي أثناء النهار تمر سيارات البلدية على هذه البراميل وتطرح محتوياتها بعيدًا عن المدينة. ويتقبّل الأهالي تلك الأنظمة بصدر رحب، بل ويثنون على من يطبقونها. ولهذا كانت الشوارع نظيفة، والأسواق القديمة منها والحديثة تخلو من كل ما يكدر النظر.

منظر عام لمبنى المستشفى الحكومي في مدينة الوجه.
كانت الوجه في عهد العثمانيين مركزًا تجاريًّا مهمًّا لقلب الجزيرة. وقد أطلق عليها الأتراك لقب "برنجي قضاء" لتقدمها. وقد كانت لها علاقات تجارية مع مصر والسودان، إذْ كانت تُصدِّر لهما، بالسفن الشراعية، الأغنام والإبل والسمن والصمغ والفحم الخشبي والفسيخ، وتعود السفن محملة بالأرز والسكر والمنسوجات والعسل الأسود والجبن والبصل والفاكهة والذرة وزيت الحوت.
وكانت الوجه تستمد شهرتها وأهميتها قديمًا من ركب المحمل الذي كان يمر بها، فكانت محطًّا لرجال المَحْمل، حيث كانت تُنصب فيها الأسواق وتوزّع الهِبَات على الأعراب. وتضم الوجه الآن أربعة أحياء هي محلة "الساحل"، ومحلة "القرفة" و"النزلة الشمالية" و"النزلة الشرقية" المعروفة بـ"الفريعة". ولكل محلة عمدة يتولى شؤونها الخاصة. وفي بلدة الوجه عدة هِجَر ينزل فيها البدو، وخاصة في فصل الصيف.
وغالبية البدو ينتمون إلى قبيلة "بِلِي" والبعض إلى "الحويطات". وتتوفر آبار المياه في هذه الهجر، ويقوم البدو بزراعة الخضار، لا سيما في بطون الأودية التي أصابها السيل. أما في فصل الربيع فينتقلون إلى مناطق أخرى، طلبًا للكلأ والعشب. وأهم هذه الهجر هي: الهرابة، والمنجور، والنابع، والبركة، والحفيرة، والكرّ، وبدا، وأبا القزاز، وخربه، وتفه، وأبو زريبات، والحسنة. وتمتد منطقة الوجه شرقًا حتى تصل إلى سكة حديد الحجاز، وجنوبًا إلى وادي الحمض على بعد 70 كيلومترًا، وشمالًا إلى وادي "دما" على بعد 120 كيلومترًا. وتكثر الأودية في هذه المنطقة، وكلها تنحدر من جبال السروات، وتتجه نحو البحر الأحمر. ففي شمال الوجه تقع الأودية الآتية: زاعم، وحرامل، والسيح، وعنتر، وثلبه، وسعف، وفي جنوب الوجه يقع وادي زريب، والمياه، والعرجة، والمسماة، والمرا، والرمحية، ووادي الحمض. وفي شرق الوجه يقع وادي بدا.

الرواشن الجميلة.. من أساليب البناء القديمة في الوجه، لكنها اليوم في طريقها إلى الزوال.
تتبع بيوتُ الوجه القديمة في طراز بنائها النمطَ المعماري السائد في حوض البحر الأبيض المتوسط. فبيوت محلة "الساحل"، التي تعتبر أقدم حي في المدينة، مبنية بالحجارة الكلسية والطين، ويجري تلبيس الجدران من الداخل والخارج بطبقة من الجص "النورة". ويُلاحَظ أن الجدران مرتفعة، إذ يصل ارتفاع الجدار إلى أكثر من خمسة أمتار. وتتميز الجدران بكثرة شبابيكها، فيحوي كل جدار بين أربعة وخمسة شبابيك صغيرة متلاصقة لا يزيد طولها وعرضها على نصف متر، وهي قريبة من السقف ومشبكة بقضبان خشبية مزخرفة. أما السقف فهو مؤلف من الحصير المخلوط بالطين، ومن تحته يُبسَط سعف النخيل، ويقوم السقف على جسور من جذوع شجر السدر وأعمدة من خشب القندل المتين. وفي الواجهة الأمامية يقوم الباب الرئيسي للبيت، وهو مُقنطَر في الغالب، وفي وسطه فتحة تسمى "خوخة" مُقوَّسة من أعلى، تستعمل للدخول والخروج دون الحاجة لفتح الباب الكبير. ولما لم تكُن في ذلك الحين أقفال ومفاتيح حديدية، استعيض عنها بعمل "ضبّة" ومفتاح من الخشب، ولكل ضبة سرها الذي لا يعرفه سوى صاحب البيت والنجار.


يمين: بقايا مئذنة تابعة لجامع أثري في قلعة الزريب في مدينة الوجه.
يسار: الواجهة الأمامية لمدخل قلعة الزريب وقد نُقِش عليها بعض الكتابات الأثرية.

تمتاز الوجه بنظافة شوارعها وهدوئها، ويُرى أمام كل منزل وعاء لسقط المتاع وضعته البلدية، وفرضت غرامة قدرها خمسون ريالًا لكل من تسوّل له نفسه رمي النفايات في الشوارع.
ثروة سَمَكَيَّة هائلة
تنفرد الوجه بتوفر جراد البحر "ستاكوزا" في مياه شواطئها، وهي تكاد تستمد شهرتها منه، وجراد البحر حيوان بحري بشع المنظر، يتراوح طوله بين قدم واحدة وثلاثة أقدام، ويعيش في مياه الشواطئ الضحلة في الشعاب الصخرية، وهو يختبئ في النهار في شقوق الشعاب ويخرج في الظلام ليأكل الطحالب والأعشاب البحرية. وله عشرة أرجل طويلة، وأربعة قرون للاستشعار، وذيل عريض يتألف من عشر فقرات وينتهي بزعنفة عريضة، وله مفصل بين الذيل والظهر، كما أن له أسنانًا قاطعة، وعينين سوداوين بارزتين يحركهما في جميع الاتجاهات، وفوق كل عين شوكة تحميها. ومنه ما هو أسود أو رمادي أو أشهب.
أما طريقة صيده فغريبة، إذ يذهب الصيادون لصيده ليلًا عندما يكون القمر في المحاق أو حوالي ذلك. ويأخذ الصيّاد معه مصباحًا يدويًّا، ويدخل في الماء على سِيْف البحر، وعندما يعثر على جراد البحر، يسلط ضوء المصباح على عينيه فيتسمّر جراد البحر في مكانه وعندها يؤخذ باليد. ويمكنه البقاء حيًّا خارج الماء نحو أربع وعشرين ساعة.

الوجه مدينة غنية بالأسماك.. ويبدو هنا نوعان من أنواع السمك المتوفر فيها.
أما الأسماك فمتنوّعة، ويجري تصنيفها إلى بياض وسمار. أما السمك البياض فيخلو من الحسك، ويشتد الطلب عليه، ومنه الدراك، والقمزة، والصليخة، والكظم، والعقام ويطلقون عليه اسم "ذئب البحر"، وهو من الأسماك المؤذية. ومن الأسماك المشهورة البوري، الذي يُحوَّل إلى فسيخ، ويُصدَّر إلى الأردن، وكذلك يكثر سمك القرش، والحصان، والفرس الذي يصل طول الواحد منها إلى ثلاثة أمتار.
ومن أسماك السمار: البهارا، والناجل، والتوينا، والشطف، والسيزانا، والقاصة، والعمبرة، والحريدة، والسحلة، والخرم، والتربانة، وفصائل متعددة من سمك الشعور. ويباع السمك في الوجه بالربطة لا بالوزن، وهو رخيص جدًّا، ويُصدّر أكثره بالثلاجات المتنقلة إلى العُلا وجدة والمدينة المنورة وغيرها.
أما جراد البحر فيُصدّر إلى أوروبا.

يستعمل الصيادون في الوجه الشباك لصيد السمك.
يَشْرَبُونَ مِنْ مَاء البحر
إن أشد ما كانت تعانيه مدينة الوجه هو قلة المياه، وخاصة في أشهر الجفاف، فقد كان ينقل لها الماء الصالح للشرب من بئر "أبا القزاز" التي تبعد نحو 75 كيلومترًا إلى الشمال الشرقي من الوجه. كما كانت الوجه تعتمد على صهاريج قديمة تجمع فيها مياه الأمطار. وكانت هذه الصهاريج تبنى بالحجارة الكلسية وتكسى من الداخل والخارج "بالجير" حتى لا يتسرّب الماء منها. ويبلغ طول الصهريج ما بين 10 و15 مترًا، وعرضه حوالي ثلاثة أمتار، وعمقه حوالي عشرة أمتار، وله سقف مقنطر ودرج جانبي ينزل عليه الإنسان ويغرف الماء بدلو، وفي كل جدار نحو ستة مزاريب يسيل منها الماء إلى داخل الصهريج.
وقد بادرت الدولة بتوفير الماء والكهرباء لمدينة الوجه الجميلة، ففي عام 1388هـ تم إنشاء محطة تحلية مياه البحر التي يبلغ إنتاجها 61,000 غالون من الماء العذب يوميًّا، ومُدَّت شبكة من الأنابيب لإيصال الماء إلى البيوت.

جانب من معمل تحلية المياه في مدينة الوجه، وتبلغ طاقته حوالي 61,000 غالون يوميًّا.
تأسّست أول مدرسة ابتدائية في الوجه عام 1330هـ. وشُيِّدت في عام 1381هـ مدرستان على الطراز الحديث، إحداهما ابتدائية والأخرى متوسطة. ويستطيع المرء أن يلمس بوضوح تطور وعي البدو تجاه التعليم عندما يعلم أن أكثرهم يفضل السُّكنى في ضواحي الوجه ليتمكن أبناؤهم من الالتحاق بالمدارس. وبالوجه أيضًا مدرسة ابتدائية للبنات، تأسست في عام 1382هـ. وتزمع رئاسة مدارس البنات إنشاء مدرسة حديثة للبنات.
الخدمات الصحية
كان بالوجه قديمًا محجر صحي يقدّم خدماته للحجاج الذين يمرون بالوجه، ثم حُوِّل إلى مستوصف عام 1356هـ بعد أن توقف الحجاج عن المرور بالوجه. وفي عام 1389هـ شُيِّد في مكان مرتفع يطل على البحر الأحمر مستشفى ضخم مكوّن من ثلاثة أجنحة ويضم أكثر من خمس عيادات مختلفة، بالإضافة إلى مختبر، وغرفة للأشعة، وغرفة للجراحة.

يقوم بعض سكان مدينة الوجه باستخراج الملح من مياه البحر الأحمر وتجفيفه بواسطة ملاحات.
تعتبر الوجه ثالث ميناء على البحر الأحمر بعد جدة وينبع، وقد كانت البواخر والسفن الشراعية ترسو في خليجها. وكانت بواخر الشركة الخديوية تقوم برحلات منتظمة من السويس إلى جدة، ومنها إلى الوجه. وبالرغم أن رصيف الميناء الحالي لا يسمح برسو البواخر الكبيرة، إلا أنه عندما بدأ إنشاء مبنى المطار رست عليه باخرة ضخمة مُحمَّلة بالأسمنت. وهناك الآن مشروع قيد الدرس لبناء رصيف بحري، وتعميق ممر البواخر. وترتبط الوجه بمدن المملكة جوًّا، اذ تقوم طائرات الخطوط السعودية برحلات منتظمة إلى الوجه كل يوم تقريبًا. وتفتقر الوجه إلى طريق مُعبَّد يربطها بالمدن القريبة منها، إلا أنه تم أخيرًا مسح وتخطيط طريق ساحلية تبدأ من ينبع وتمر بالوجه، وتتجه شمالًا. ومن المتوقع أن تباشر وزارة المواصلات قريبًا سفلتة هذه الطريق التي ستجني منها الوجه نفعًا عظيمًا. وجدير بالذكر أن من أهم وسائل المواصلات والنقل في المدينة هي الدراجات النارية، فلا يكاد بيت في الوجه يخلو من واحدة منها، وكل شاب يتفنّن بتزيين دراجته، ويكتب على اللوحة الأمامية آية قرآنية أو حكمة أو مقطع أغنية غرامية.
الزراعة
تعتمد الزراعة في الوجه عامة على الأمطار، ففي بطون الأودية يزرع الأهالي البطيخ والشمام والدخن. وفي الهِجَر، التي سبق ذكرها، حيث تتوفّر الآبار الارتوازية، تُزرع الخضار وأشجار الليمون والرمان. وتمتاز الأراضي، ولا سيما في بطون الأودية، بخصبها، فهي رملية متماسكة تميل إلى الحمرة، ولا ينقصها إلا الماء لتنبت كل ما يمكن إنباته.
وتنمو في الجبال وفي الأودية أشجار برية كبيرة منها: السمر، والطلح، والدوم، والأراك، والحرجل، والعرن، والنبق، والحرمل، والسيال، والضرم، والعشار، والشراة، والعوسج، والخروع، والضرمة. كذلك تنمو شجيرات
صغيرة، تؤخذ من بعضها الأدوية، ومنها: النعناع البري، والجعدة، والشيح، والبعيثران .والسنمكي، واللصيق، والنيتول، والشكاعة، والبروق، والسنا، والسيكران. وتنبت عقب نزول الأمطار والسيول أعشاب برية كبيرة منها: الرطريط، والقطباء، والحوذان، والقبا، والربل، والحوة، والعتير، والحميض، والخبيزة، وركبة العجوز. وتكثر الطيور في الجبال والأودية، كالحمام البري (القمري)، والحجل، والرهيدن، والزرزور، والهدهد، والغراب. كما تكثر الأرانب، والغزلان، والوعول، والثعالب، والقنافذ، والنيص، والظرمبول. ويحظر القنص والصيد في المنطقة حاليًّا.

حواجز أقامتها بلدية الوجه على طول الساحل لحماية الأطفال والمسنين من السقوط فيها.
تزهو الوجه بكثرة آثارها التي خلّفها العثمانيون في المنطقة، لا سيما وأن الوجه تتمتع بموقع إستراتيجي مهم منذ القدم. ففي وسط المدينة، وعلى مرتفع من الربوة، تقوم قلعة "الوجه" الحصينة، وهي مبنية من حجر أحمر صوّاني، وبها برج شاهق يشرف على البحر.
وتقوم على الطرف الجنوبي الغربي من الخليج منارة لهداية السفن لا تزال بقاياها قائمة إلى الآن. أما أشهر الآثار التي لا تزال تشهد بعظمة الوجه فهي قلعة "زريب"، الواقعة على بعد تسعة كيلومترات شرقي الوجه، وهي قلعة مربعة طولها 60 مترًا، مبنية في سفح جبل الحميرة بحجارة الدومر الحمراء المقصبة. وللقلعة أربعة أبراج، في كلٍّ منها ثلاث فتحات. وفي الجهة الشمالية ثلاث برك كبيرة، وحولها عدد من الآبار أشهرها "المقرونة" التي يستقي منها البدو، وبئر "زريب"، وبئر "هداج".


يمين: قلعة «الزريب الأثرية وتبعد حوالي تسعة كيلومترات شرقي مدينة الوجه، وقد كانت فيما مضى تستعمل كمحطة للمحمل وهو في طريقه إلى مكة المكرمة أثناء موسم الحج.
يسار: يغلب على مداخل البيوت القديمة في مدينة الوجه، الطراز القنطري، ويبدو هنا الجزء العلوي لأحدها.
ميزة ينفرد بها الوجهي وهي نشاطه الرياضي والاجتماعي، بغض النظر عن السن والمركز. فأمير الوجه، وقد ناهز السبعين، لا يتوانى عن رياضته المحبَّبة إليه، وهي المشي مع الفجر مسافة أربعة كيلومترات على الأقل، ولهذا تراه يتمتع بحيوية يحسده عليها الشباب. والهواية المحببة لدى أهالي الوجه هي صيد السمك. فيذهبون مساءً إلى الشواطئ الجميلة، ويقضون أمتع الأوقات هناك في الصيد وقلي السمك في العراء.
وفي الوجه عدة أندية أهمها: نادي الربيع، الذي تأسس عام 1381هـ، وهو نادٍ رياضي ثقافي اجتماعي. وهذا النادي ينظِّم الحفلات الغنائية والموسيقية، والندوات الأدبية، كما يشترك فريقه في مباريات كرة القدم مع المدن المجاورة ويحتفظ فيه بملف لكل مشترك، يذكر فيه نشاطه الرياضي والاجتماعي وهواياته. ويصدر النادي مجلة شهرية اسمها "مجلة الربيع" تعالج فيها أقلام النادي موضوعات حيوية تهم مدينتهم وأهاليها.
إن مدينة الوجه تبشر بمستقبل زاهر، خاصة وأن هناك مشاريع حيوية سترفع من قدرها ومكانتها كمشروع شارع الكورنيش، وتشجير الشوارع، وبناء الحدائق العامة، وغير ذلك.

الشمس وهي تجنح إلى خدرها، فما أروعه من منظر طبيعي خلّاب. وشكلها يعود إلى وجود بعض الغيوم.