جامعة الملك سعود عام 1960م

جولة في الجامعة

وبعد أن تحدّثنا بإيجاز عن أقسام الجامعة دعنا نقم بجولة في مبنى الجامعة. كان أول مکان دخلناه هو مكتبة الجامعة وكانت في طور التنظيم. وتحتل المكتبة غرفةً واسعة تتسع لعدد كبير من الأشخاص، وقد زُوِّدت بشتّی المراجع المختلفة.
ونزلنا إلى أحد المدرّجات حيث وجدنا معالي الأستاذ أحمد صلاح جمجوم، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء، يلقي محاضرة في إدارة الأعمال على طلّاب كلية التجارة. ومعالي الأستاذ أحمد جمجوم يدرِّس في الجامعة متبرِّعًا من وقته الخاص وليس أستاذًا رسميًّا. وكان الموضوع الذي يحاضر فيه هو "سياسات الانتاج الكبيرة".

وفي أحد الفصول رأينا الدكتور إبراهيم العدوي، الأستاذ المساعد في التاريخ، يلقي درسًا في "التراث العربي التجارى وامتداده إلى الهند والصين وشمال إفريقيا". وشاهدنا الأستاذ محمد محمود الصياد يلقي درسًا في الجغرافيا الاقتصادية عن "القمح وأماكن زراعته".

وتابعنا جولتنا بأن مررنا على أقسام كلية الآداب، كقسم اللغة الإنجليزية، حيث قابلنا بعض أعضاء هيئة التدريس الذين يحمل معظمهم شهادات الدكتوراه، وجميعهم أكفّاء سبق لهم التدريس في الجامعات المصرية، بل إنهم عمالقة في التدريس مرّت عليهم السنوات وهم يشعلون نور العلم ويؤجِّجون نار المعرفة في عقول الطلبة كل عام، ثم تناولنا المرطّبات في قسم الحيوان.

وعرجنا على الدكتور عبد الرحمن قدري، أستاذ النبات وهو يزرع أشجارًا في ساحة الجامعة.. ومع أن هذا المبنى هو مبنى مؤقت للجامعة إلا أن الدكتور عبد الرحمن يقول: "غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون"!

إلى المختبرات

والمختبرات بالطبع تتبع كلية العلوم، وكان أول مختبر دخلناه هو مختبر قسم الكيمياء التابع لكلية الصيدلة. وكان لدى كل طالب كوب به سائل مُذاب يسخّنه على النار. وسألنا الأستاذ فرید جلال، أستاذ الكيمياء، عمّا يعمله الطلاب. فقال إنهم يقومون بالكشف عن الشق القاعدي في مخلوط الأملاح.. وهذا فرع من الكيمياء التحليلية. وكان الطلبة منصرفين كليًّا إلى ما بين أيديهم من أجهزة يجرون فيها الاختبارات على ما يدرسونه نظريًّا.

وكان ثاني المختبرات هو مختبر علم الطبيعة.. ولعلّ ما يجلب النظر هناك بعض النماذج البسيطة التي قام بعملها بعض أعضاء هيئة التدريس، فرأينا مثلًا جهاز محرّكٍ صغير صنعه أحد أعضاء هيئة التدريس من علبة فارغة من الصفيح، وركّب فيها بعض الأسلاك، فأصبحت كالدينامو يدور، ويمكن للطالب أن يدرس أقسامه بسهولة. كما صنع بعض أعضاء هيئة التدريس أيضًا من صفيحة أخرى نموذجًا للآلة البخارية، تدور كلما وُضِع تحتها اللهب، وتبيِّن الحركة التي يعملها البخار. وفي مختبر علم الحيوان كانت هناك قوارير عديدة تحتوي على: ضفادع، دیدان، صراصير، أسماك، حشرات متنوعة.. وكان الطلبة عاكفين على رسم قطع عظام من ضفدعة.. يأتي الطالب ويأخذ قطعة عظم صغيرة، ويضعها تحت العدسة المكبِّرة يفحصها ويرسمها. وفي هذا المختبر يقوم الطلبة بالدراسة العملية لعلم الحيوان. وقد شرَّح الطلاب كثيرًا من الحيوانات كالضفدعة والأرنب والأسماك.

ودخلنا غرفة أخرى كان الطلبة فيها يجلسون خلف مجاهر ينظرون إلى زجاجات صغيرة وُضِعت عليها عينات صغيرة ملوّنة.. كان ذلك هو مختبر علم النبات، وكان الطلبة يصبغون بعض أجزاءٍ من النباتات ويضعونها تحت المجهر لدراسة وظائفها وأنواعها.

وكان آخر مختبر دخلناه هو مختبر الجيولوجيا.. أي علم طبقات الأرض.. والمختبر مليء بالحجارة التي تبدو حجارة عادية، ولكنها في الحقيقة حفريات جلبها الطلبة وبعض أعضاء هيئة التدريس من أماكن بعيدة. وثمّة عيّنات للمعادن والتراب والرمال... إن هذه العينات المختلفة هي لمعرفة المعادن المطمورة بين الصخور وفي طبقات الأرض.. ويمكنك أن تتبيّن بين تلك الحجارة بعض الحيوانات القديمة المتحجّرة ذات الأصداف، والتي اكتسبت الصخور شكلها.

وكانت خاتمة المطاف في قاعة عُرِض فيها تخطيطٌ لمشروع الجامعة التي ستُبنى غربيّ الرياض على طريق الدرعية.. فالجامعة الآن تحتل مبنى مؤقتًا. وقد طُرحت مسابقة لإنشاء جامعة جديدة، وستُبنى على أرضٍ مساحتها أربعة كيلومترات مربَّعة، وسيكلِّف البناء مبلغ ۲۰۰ ملیون ریال، ويتم المشروع خلال عشر سنوات. والخريطة تنطق بالروعة والفن المعماري.

الالتحاق والانتساب

لا يتطلّب الالتحاق بالجامعة سوى الحصول على الشهادة الثانوية العامة أو أية شهادة معادِلة تعترف بها الجامعة. وقد سُمح في هذا العام الانتساب للجامعة، فيمكن لمن يريد أن ينتسب أن يسجل اسمه في الجامعة ولا يكون مُجبرًا على حضور المحاضرات والدروس ويتقدم للامتحانات مع بقية الطلبة. ويتناول الطالب راتبًا شهريًّا قدره ٣٦٠ ريالًا سعوديًّا.

النشاط الجامعي

عندما تدخل الجامعة تقرأ إعلانًا صغيرًا يقول "اقرأ الوعي"، وتسأل عن الوعي، فتجد أنها صحيفة الحائط تقوم على إخراجها جمعية النشاط الاجتماعي.

أما النشاط الرياضي، فيتمثَّل في أربع فرق رياضية تمارس عددًا من الألعاب، هي كرة القدم والكرة الطائرة وكرة الطاولة وألعاب القوى. وتقوم مسابقات دورية بين كليات الجامعة على كؤوس فضية.

الطلاب القادمون من خارج الرياض يقيمون في دار تُدعى "بيت الطلبة"، أي القسم الداخلي من الجامعة. والبيت مكوّن من 36 شقة ويقيم فيه 143 طالبًا.

مشاريع المستقبل

وبعد أن انتهينا من الجولة في الجامعة ذهبنا إلى وزارة المعارف، حيث قابلنا سعادة الشيخ ناصر المنقور، مدير عام وزارة المعارف والمدير المُنتدَب للجامعة. وعلمنا منه أنه يحضُر للجامعة يومًا بعد يوم. ولذا ارتأينا أن نعود في اليوم التالي لمقابلته في مكتبه، وبالفعل عُدنا واجتمعنا به اجتماعًا قصيرًا، وسألناه عن الكليات التي ستُضاف إلى الجامعة، وعن أيّة مشاريع أخرى في المستقبل. فقال لنا الشيخ ناصر: ستُضاف في العام القادم كليّتان جديدتان، هما كلية الزراعة وكلية الهندسة إذا سمحت الظروف. وفي المرحلة الأخيرة ستفتح كلية الطب بأنواعه وبعض الكليات الأخرى. والهدف من هذه الكليّات أن تكون أكثر عملية من الكليات النظرية. وسوف يدخل ضمن الدراسات دراسة المجتمع. وتنوي الجامعة افتتاح معهد عالٍ للتربية.

هذه هي الجامعة الآن نقطة انطلاق نحو هدف عظيم.. نحو سماء العلم والمعرفة.. فهي المنار الذي سيشعُّ منه وهج العلم ويضيء للجيل الجديد دربه الطويل في الحياة.

وأترك الآن المجال للصور المنشورة على هذه الصفحات لتتحدث بنفسها.

شرح الصورة أعلى الصفحة: صاحب المعالي الأستاذ أحمد صلاح جمجوم يلقي محاضرة على طلاب كلية التجارة .. كان عنوان المحاضرة "سياسات الانتاج الكبيرة".