
يقول ريلكه: “لا تكتب الشِّعر إلَّا إذا شعرت بأنك ستموت لو لم تفعل”. وهذا ما حدث معي حين تجلَّى أمام خيالي “جبل تهلّل”!
ولأن موهبة كتابة الشِّعر في موازين الأدب لا تعادل إلَّا موهبة قراءته. فإنني أعوِّل على هذه القصيدة. فقارئ الشِّعر نادر، ندرة الشاعر، وندرة الشِّعر نفسه!
“حكاية من أبها” تنطلق من مكان خاص من الحُب، ومن فعل الحُب بكل تفاصيله وأعماقه.
حكاية من أبها
”حتى تتعرف على جبل تهلّل عليك أن تتسلقه من جميع جهاته“
أحمد الألمعي
يعرفني
بين كل هذا الحشد من الكلمات
والخطى
والمشي البطيء في دمه
من بين فناجينه وأعقاب سجائره
وتلويحته البعيدة
من بين الذين يكتبون الشعر
أولئك يشمون أجسادهم
ويرسمون مُدنهم المعلقة في الخرائط
بين كل هذا الحشد يميزني كسمكة يصطادها
يغازلها ولا يشويها
يعرفني
ويخطئوني في الجماعة عينيه
يشربني
ويهذي بمواويل ورجع الصدى يضيع في المدى
يعرفني
لكنه ينكرني لو لمست جرحه من أصابعه فقبلتها
يعرفني
ويجهل كم يكلفه ذاك العبور إلى ما لا يطيقه
لهاثٌ يجر الأرض ويسحب الروح
باتجاه ضوء عابر نحوي
، يقول بأنني اللبيبة
، الجميلة
، النقية
وينسى بأنه من نظم هذه القصيدة
وربت بها على عظامي المكشوفة
مثل راهب حذِر يشرب وحده زجاجة فارغة
ربما حوصر بغيمة نقاءٍ وأراد وصف الغياب
أو ربما فكَّر في اعتذار لطيف
للذين خذلتهم الأشجار والأمطار
للذين رحلوا بدفء معاطفهم التي تركوها على مقعد مهمل
للذين كوفئوا بنضوب العطر
فلم يحفظ من آهاتهم
سوى اسمي
لا شيء وراء الجبل
سوى شجرتي عرعر
سعال شحيح
وصوت ارتطام حجر قديم
يعرفني ويعلن أنه سيتحدث عني
سيرحمني مثلًا في مشهد بحر دافئ
سيبرر للشمس لونها
وللسماء تموجها
ثم سيقول للمارين أمامه:
أعرفها
دعوني أتحدَّث عن وطني
ثم أعود به إلى البيت وأبحلق في ساعة الحائط
وأكتفي بالهمس لها.
يعرفني
لذا يجب أن يصل بمفرده إلي
حينها سأسكب له روحي
ستمشي أصابعي على رأسه
ثم يقول لي:
أنت مثل جبل تهلّل
كي أعرفك يجب أن أتسلقك من جميع الجهات
لكنه نسي أصابعه في جهته اليمنى حتى انزلق في كفي
وبقي يردد أغنية قديمة لا أحفظها
يعرفني ويأخذني لغابة عرعر
ثمة جنود من ندى
أنفاس عاشقين
وهتان مطر
يعرفني فتلتمع فكرة برأسي
أقول لابن الجبل:
تعال نعيد نضارة العالم
نروض الخسارات
نكسر رتابة الأيام
نزيح الحديث عن أمور تافهة
ونحترس من هشاشة الحياة
أنت تعرفني إذًا
فلم لا نشحذ أرواحنا بالطمأنينة
ونلبس درعين من سكينة
غدًا سأعرفك
لوقتٍ آخر
ستعرفني أيضًا
سنتكاثر دون وجودك معي
ودون وجودي معك
سنلتقي
في البحر
أو على قمة تهلّل
أو في السماء
أو ربما في أعمق من ذاك كله..
بلقيس الملحم
• عضو في النادي الأدبي في المنطقة الشرقية.
• عضو فخري في مؤسسة ناجي نعمان الدولية في بيروت وسفيرة “الثقافة بالمجان” في الخليج العربي.
• صدر لها:
- “أرملة زرياب.. قصص من العراق” مجموعة قصصية
- “حريق الممالك المُشتهاة” راوية
- “ما قال الماء للقصب” شعر
- “مناديل القدِّيسة” شعر
- “قبل أن ينقرض الحُب” شعر
- “هل تشتري ثيابي” قصص قصيرة
- “أحبكَ حتى تنتهي الحرب” شعر
• ولها تحت الطبع:
– رواية “النماص.. ميعاد الرحيل والبقاء”.