Hero image

التعليم العالي عبر الفضاء السيبراني

يوليو - أغسطس | 2025

يوليو 27, 2025

4 دقائق

شارك
ثمة علاقة وطيدة بين التعليم العالي وتنمية المُجتمعات حول العالم في مختلف النواحي، اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، ويعد مستقبله ذا أهمية كبرى للتفاعل الإيجابي بين تلك المجتمعات، فضلًا عمَّا يشهده هذا التعليم من تنافسية بين المصادر القادرة على تقديمه بالجودة المُناسبة على نطاق واسع. وقد حمل المؤتمر الذي عُقد في شهر مارس 2014م، في ولاية تكساس الأمريكية، عنوان "عولمة التعليم العالي"؛ إذ ناقش موضوع هذه العولمة من خلال التوجُّه نحو التعليم العالي إلكترونيًا عبر الفضاء السيبراني. كان ذلك، بالطبع، قبل تجربة الفيروس "كوفيد - 19"، الذي فرض هذا التوجُّه على الجميع، ولو مُؤقتًا، منعًا لانتشار الوباء. شارك في المُؤتمر طيف من المُتخصصين والمُهتمين من مُختلف أنحاء العالم، شمل أكاديميين وسياسيين واقتصاديين وصحفيين ومهتمين، يتوزعون على مُختلف المجالات المهنية.

استطاع التعليم العالي عبر الفضاء السيبراني، خصوصًا بعد تجربة فيروس "كوفيد - 19"، تحقيق خصائص لعلَّها ترتبط بما يُمكن أن ندعوه "بالابتكار المُزعزع لسوق التعليم العالي". وتجدُر الإشارة هُنا إلى أن كليتون كرستينين (Clayton Christensen)، الأستاذ السابق في هارفارد الذي رحل عام 2020م، كان أول من طرح تعبير "الابتكار المُزعزع" (Disruptive Innovation)، وبيَّن خصائصه التي تبدو متوافقة مع ما يُقدمه استخدام الفضاء السيبراني في التعليم العالي. فقد فتح هذا الاستخدام الباب أمام سوق جديدة للتعليم العالي كانت مهجورة من قبل، إلا من بعض برامج التعليم بالمراسلة أو عبر محطات التلفزيون التي بدأتها الجامعة المفتوحة في بريطانيا في ستينيات القرن الماضي، قبل أن تتحوَّل إلى التعليم عبر الفضاء السيبراني.

يُقدِّم التعليم العالي عبر الفضاء السيبراني، اليوم، برامج تتميز بتكاليف مُنخفضة، ومرونة في زمن عرض المُحاضرات، ومرونة أخرى في أماكن وجود الحاضرين، إضافة إلى مرونة ثالثة في عدد المُقررات التي يستطيع الطالب أن يُسجلها فصليًا، إلى جانب تسهيلات إدارية مُختلفة. وكما في التعليم العالي التقليدي، تشمل برامج التعليم عبر الفضاء السيبراني مجالات عديدة من جهة، ودرجات أكاديمية على مستويات علمية مُختلفة من جهة أخرى. وتتضمن هذه المستويات الدرجة المتوسطة، ودرجة البكالوريوس، ودرجتي الدراسات العليا الماجستير والدكتوراة، إضافة إلى شهادات الدورات الإضافية الخاصة، المُرتبطة بالتوعية والتحديث المهني في مُختلف المجالات.

يُضاف إلى ما سبق، حقيقة أن التقدم الذي تشهده التقنيات الرقمية مستمرٌّ في إعطاء إمكانات مُتجددة للتعليم عبر الفضاء السيبراني؛ إذ يقود ذلك إلى تفعيل إمكاناته في مُنافسة التعليم العالي التقليدي، وتعزيز قدرته على الاستمرار. وقد تمثَّلت هذه الإمكانات في تسهيل التواصل المعرفي وتعزيز كفاءته، وفي تمكين إدارة مُتطلباته بفاعلية، وإجراء الاختبارات من خلاله، فضلًا عن مزيد من الإمكانات المُتجددة التي تُوفرها تقنيات "الذكاء الاصطناعي" (AI)، مع تقنيات "الواقع المعزّز" (AR) و"الواقع الافتراضي" (VR).

لم تضع كثير من الجامعات ومؤسسات التعليم العالي تعليمها التقليدي في منافسة حادة مع التعليم عبر الفضاء السيبراني، كما فعلت شركات الحاسبات "ديجيتال" (Digital) و"برايم" (Prime)، وغيرها في ثمانينيات القرن الماضي في مواجهة "الحاسوب الشخصي (PC) الذي كان ابتكارًا مُزعزعًا لأسواقها، ففشلت واختفت عن الساحة. فقد راحت هذه الجامعات والمُؤسسات تتبنى التعليم عبر الفضاء السيبراني إلى جانب التعليم التقليدي، وبذلك برز "التعليم الهجين" (Hybrid or Blended Education) الذي يخلط بين الاثنين، فيقدِّم إلكترونيًّا كافة خدمات التعليم التقليدي، ويُستثنى من ذلك ما لا يمكن تحصيله إلا بالحضور المباشر. وتتجلى الحاجة إلى الحضور المُباشر في مقررات المُختبرات وإجراء التجارب على أرض الواقع. لكن يُحتمل أن تستطيع التقنيات عبر تطورها المُستقبلي تجاوز ذلك جزئيًا أو كُليًا. 

اهتم مُؤتمر عام 2014م، المذكور آنفًا، بمسألة دراسة كثير من طُلاب الدول المُختلفة في أمريكا، عبر التعليم الحضوري التقليدي. وتركَّز هذا الاهتمام على كلِّ من الجانب الثقافي والجانب الاقتصادي. فالدارسون في أمريكا يكتسبون الثقافة الأمريكية عبر سنوات الدراسة بدرجات مُختلفة. كما أنهم يدفعون رسومًا دراسية، فضلًا عن الإنفاق على معيشتهم من خلال دعم مالي يأتي من خارج أمريكا، وهو ما يُعزِّز الاقتصاد الأمريكي.