Hero image

أُلفَةُ الغياب

يوليو - أغسطس | 2025

يوليو 14, 2025

5 دقائق

شارك

أُلفَةُ الغياب

أُريدُ أن لا يعرِفني أحد،
أن لا يألَفَني أحد. 
أريد أن أتمدَّدَ وأن أتيه وأن أعدو كَحشرةٍ تسعى تحت الضَّوء. 
لأجلس جلوس تِمثالٍ لم يُدوَّن عليهِ اسمٌ أو تاريخ.
لأتبادَل مع نفسي مَشقَّتها، 
وأُزيحَ رأسي عن المَشهدِ،
فأهدُم جسدي صراخًا وبُكاءً وأحلامًا.
أُريدُ التّحرُر من الأُلفَةِ ومن الارتياب،
لأسكُنَ الجسد خاويًا، والرّأس خاويًا.
لأسكُنَ النّسيان. 
أُريدُ مَحو وَجهي،
النّظرةَ تِلو الأخرى،
مَحو ذاكرةِ الرّوائِحِ،
اليدانِ فارِغتانِ من المُعانقات.
الخطوات يتأنّى في أخذِها أو يتوارى عنها.
لأفقد الجسدَ وأفعالَ الجسد.
في النّهايةِ.. سأحلُمُ بما كان غضًّا وما كانَ رَويًّا،
ما جِئتُ لأجله كائنًا وُلِدَ من أُمٍّ، وبينَ عائلةٍ، وفي بيت.
كائنًا ربيبَ المُكابدات، يتعثّرُ بالعاديّ أمام نفسه، وبنفسهِ أمام العادي.
في النهاية،
ستمرُّ العائلة مرور أخطاءٍ فادِحَة
وسأمضي في انشغالي بمكابدةِ الاستلقاءِ الطويل.
أريد أن لا يعرفني الغياب، أن لا يألفني الغياب.
ففيهِ سيكون الوقت ضحيّة التأسّي،
وستكونُ نفسي ضحيّة الوقت.
وفي النهايةِ، سأنزلُ نزولَ الحشراتِ
وأتبدّد في أفواهها.
في النهايةِ، 
سيكون الزّمن حليفَ الكائناتِ وعدوّي.

 

بيتٌ مسكونٌ بالوَحشَة

يقلّب البيت مخاوفي.
يصوّر ذاكرتي على أنّها حيّة مثل وردة مقطوعة، يصوّرها بعيونٍ وحواسٍ ونصف جسد مُلقَى.
يصوّرني الألم - النّصف الآخر من الجسد -
ويمنحني فكرة الموت، بأقل ما فيها، بأجمل ما فيها.
يقلّب البيت شَكلي، عيوني في يدي، ووجهيَ للعمَى.
يقلّب صورة الطفلة المعلّقة بوجه جثّة على جدار الموتى... 
إنّها هناك في الماضي، في أوّل لحظةٍ للموت
كيفَ كان الموت؟ 
  نسوة في نحيبٍ واحدٍ، نسوة في ضربة واحدة للصدر،
ورجل واحد يخرج من الباب في سريره، يغادر دونَ نظرَة.
ليس للموتِ نظرة، وليس لي.
يقلّب البيت شكلي، ويمتحنني في أعضائي
كيفَ أنّي هنا... في الجسدِ نفسه أنمو،
أتقطّع إلى منامات وأخرج منها خائفة وحيّة.
يقلّب البيت وجعي عليّ، 
وفي يديّ الأسئلة...
يفرِكُ يديّ، يُسلِمني إلى الجُدران، ويعدّد لي أسماءَ ما أريدُ أن أنسَى.
يأخذُ البيت شكلي وشكلَ خوفي، 
يدفننا معًا في الحفرةِ أمام الباب، يضعنا شاهدًا على أنّ حياةً بطيئة كانت هنا،
يدفننا ويرحل فينا.
لا يمكن أن يتهدّم البيت على الجثث التي خرجت منه.
يستعيدني البيت جسدًا، 
يحفرُ فيما وراء قلبي... بنداءٍ واحدٍ عاجزٍ عن تكوينِ اسمي.
يُسقِطُ نظرته عليّ، 
يشتّت ما بقيَ من وجهي.