في سياق الحديث عن السينما والدراما التلفزيونيَّة ونهضتها وتطوُّرها، تستحضر ذاكرتي على الدوام الرحلةَ الواقعيَّةَ والعذبة للسينما الكوريَّة منذ نشأتها، فعِندَ أيِّ نقاشٍ حول تطوُّر السينما والدراما عالميًّا، باختلاف أنواعها وثقافاتها، نجدُ للسينما الكوريَّة حضورًا وبصمة.
يستعرضُ الدكتور فهد توفيق الهندال، في أحدث مقالاته في مجلة "القافلة"، الدراما السعوديَّة بوصفها نموذجًا مثيرًا للاهتمام في التطوُّر الثقافي والاجتماعي. يستعرضُ المقال المعنون بـ "تاريخ الدراما السعودية" مسيرة هذه الصناعة منذُ بداياتها المتواضعة وصولًا إلى الحراك الملحوظ الذي شهدته مؤخرًا.
في ظل هذا العنوان، أروي قصَّةً قصيرةً عن السينما الكوريَّة، منذ نشأتها وصولًا إلى أبرز تحوُّلاتها، يمكننا أن نستلهم منها رؤى وأفكارًا تثري حراكَنا اليوم بين الصناعة السينمائيَّة التي هي في طور النشوء والتشكُّل، وصناعة الدراما التي تواجه أسئلةً كبرى.
إبَّان الفترة التي كانت فيها كوريا خاضعةً للحكم الياباني(1905م1945-م)، لم يتبقَ من تاريخ السينما الكوريَّة المبكِّر سوى شذراتٍ قليلة: لقد فُقِدت الغالبيّة العظمى من لقطات الأفلام الكوريَّة المبكِّرة بسبب الإهمال أو الدمار الناتج عن الحرب. ومع ذلك ترسم السجلات التاريخيَّة صورةً لصناعةٍ سينمائيَّةٍ نابضةٍ بالحياة، أنتجت أكثر من 160 فِلمًا منذ أوائل العشرينيَّات حتّى استسلام اليابان عام 1945م.
خلال الحرب الكوريَّة، دُمِّر جزءٌ كبيرٌ من البنية التحتيَّة لصناعة السينما، وانخرط العديد من صنَّاع الأفلام في تصوير الأفلام الإخباريَّة والوثائقيّة عن الحرب. بعد اتفاقيّة الهدنة عام 1953م، أعلنت حكومة كوريا الجنوبيَّة حينها إعفاء السينما من جميع الضرائب؛ ممَّا ساعد على إنعاش الصناعة. كما ساهمت برامج المساعدات الخارجيَّة في تزويد كوريا الجنوبية بتقنيَّات ومعدَّات الأفلام، ما مهَّد الطريق لنهضة السينما الكوريَّة في أواخر الخمسينيَّات والستينيَّات.
في سبعينيَّات القرن الماضي، شهدت صناعة السينما فترةً طويلةً من الركود وزيادة الرقابة الحكوميَّة. تأسست الهيئة الكوريَّة لترويج الأفلام السينمائيَّة عام 1973م في محاولةٍ لإنعاش الصناعة، لكنَّ السينما الكوريَّة لم تتعافَ من انحدارها التجاري حتى منتصف تسعينيَّات القرن الماضي. ومع ذلك قُدِّمَت بعض الأعمال المثيرة للاهتمام خلال تلك الفترة، وهو ما أظهر درجةً عاليةً من الأصالة في استكشاف الموضوعات. وقد اتَّخذت صناعة السينما الكوريَّة في الثمانينيَّات أولى خطواتها نحو تحوُّلٍ جذريّ. ومع ذلك لم تكن التغييرات كلُّها مبشرِّةً لصانعي الأفلام المحليين، فقد أدى تغييرٌ في السياسة عام 1988م إلى رفع قيود الاستيراد على الأفلام الأجنبيَّة؛ ممَّا سمح لشركات هوليوود بإنشاء مكاتبَ فرعيَّةٍ في كوريا الجنوبيَّة.
يمكن القول: إنَّ الطفرة الحاليَّة التي تشهدها السينما الكوريَّة ليست ظرفًا استثنائيًا، بل هي حالةٌ من وصول الصناعة أخيرًا إلى حالتها الطبيعيَّة. منذ بداياتها والسينما الكوريَّة تواجه تحدِّياتٍ عديدة، لكنَّها لم تنعم بدعمٍ حكوميٍّ وبيئة اقتصادية مستقرَّة إلّا في تسعينيَّات القرن الماضي.
ثمَّ ماذا؟
على الرغم من الطفرة السريعة التي شهدتها المملكة، والتقدُّم الملحوظ الذي تحقَّق في السنوات الأخيرة (والذي تجلَّى في إخراج أفلام محلية ناجحة وصلت إلى مهرجانات عالميَّة، وكذلك في ازدياد الوعي بأهميَّة الثقافة السينمائيَّة، إلى جانب الإنجازات الكبيرة على مستوى شبَّاك التذاكر محليًّا)، لا تزال السينما السعودية اليوم تواجه حالةً من الركود والتعثُّر النسبي؛ ممَّا يقودنا إلى طرح السؤال التالي: ما نوع التحدِّيات التي نشهدها اليوم، وكيف نواجهها للمضيّ قُدمًا؟
بالمقارنة بين نشأة وتطوُّر الصناعتين السعوديَّة والكوريَّة، يمكن القول: إنَّ لكلِّ صناعةٍ سينمائيَّةٍ قصَّتها الخاصة التي تتفرَّد بها عن غيرها، ولها طريقها المضيء والمتميِّز الذي تشقُّه عبر محطاتٍ عديدةٍ في تاريخها. وبالرغم من هذا التباين، فإنَّ ثمَّة تشابهًا ما في الوجهة بين كلتا الصناعتين، فعلى غرار السينما الكوريَّة، بدأت السينما السعودية في عصرها الجديد بدايةً تخلو من المرجعيَّات الكبيرة؛ لذلك تجدُ السينما السعودية نفسها أمام ضرورة ابتكار ذاتها، والمرور بعددٍ كبيرٍ من المحطات، ومواجهة بعض التحدِّيات، بما في ذلك حالات الركود والتراجع التي قد تعقب زخم البدايات. ومن ثمَّ استعدادها لكلِّ التغيُّرات والاحتمالات، وأن تواجهها بثباتِ مَن يدرك أن هذه المراحل هي جزءٌ من رحلة بناءِ الأساس المتين الذي تنطلق منه كلُّ صناعة.
في الختام، تخبرنا السينما، رغم اختلاف قصصها، بإصرارها الدائم على أن تعيش قصَّة ولادتها الخاصّة، حيث يتعيَّن عليها المرور بكلِّ هذه التحدِّيات من الولادة وصولًا إلى الاستقرار، ولن يتحقَّق ذلك إلّا من خلال الوصول إلى نموذج سينما محليّة أصيلة قائمة على أسس متينة، تواجه تحدِّيات الصناعة على نحوٍ حقيقي، وتتجاوزُ ما يتكرَّر على مسامعنا كلَّ يومٍ من تصوُّراتٍ فضفاضة، متخطِّيةً حاجز الركود الذي يعيق تحقُّقها النهائيّ الكبير.
يستعرضُ الدكتور فهد توفيق الهندال، في أحدث مقالاته في مجلة "القافلة"، الدراما السعوديَّة بوصفها نموذجًا مثيرًا للاهتمام في التطوُّر الثقافي والاجتماعي. يستعرضُ المقال المعنون بـ "تاريخ الدراما السعودية" مسيرة هذه الصناعة منذُ بداياتها المتواضعة وصولًا إلى الحراك الملحوظ الذي شهدته مؤخرًا.
في ظل هذا العنوان، أروي قصَّةً قصيرةً عن السينما الكوريَّة، منذ نشأتها وصولًا إلى أبرز تحوُّلاتها، يمكننا أن نستلهم منها رؤى وأفكارًا تثري حراكَنا اليوم بين الصناعة السينمائيَّة التي هي في طور النشوء والتشكُّل، وصناعة الدراما التي تواجه أسئلةً كبرى.
إبَّان الفترة التي كانت فيها كوريا خاضعةً للحكم الياباني(1905م1945-م)، لم يتبقَ من تاريخ السينما الكوريَّة المبكِّر سوى شذراتٍ قليلة: لقد فُقِدت الغالبيّة العظمى من لقطات الأفلام الكوريَّة المبكِّرة بسبب الإهمال أو الدمار الناتج عن الحرب. ومع ذلك ترسم السجلات التاريخيَّة صورةً لصناعةٍ سينمائيَّةٍ نابضةٍ بالحياة، أنتجت أكثر من 160 فِلمًا منذ أوائل العشرينيَّات حتّى استسلام اليابان عام 1945م.
خلال الحرب الكوريَّة، دُمِّر جزءٌ كبيرٌ من البنية التحتيَّة لصناعة السينما، وانخرط العديد من صنَّاع الأفلام في تصوير الأفلام الإخباريَّة والوثائقيّة عن الحرب. بعد اتفاقيّة الهدنة عام 1953م، أعلنت حكومة كوريا الجنوبيَّة حينها إعفاء السينما من جميع الضرائب؛ ممَّا ساعد على إنعاش الصناعة. كما ساهمت برامج المساعدات الخارجيَّة في تزويد كوريا الجنوبية بتقنيَّات ومعدَّات الأفلام، ما مهَّد الطريق لنهضة السينما الكوريَّة في أواخر الخمسينيَّات والستينيَّات.
في سبعينيَّات القرن الماضي، شهدت صناعة السينما فترةً طويلةً من الركود وزيادة الرقابة الحكوميَّة. تأسست الهيئة الكوريَّة لترويج الأفلام السينمائيَّة عام 1973م في محاولةٍ لإنعاش الصناعة، لكنَّ السينما الكوريَّة لم تتعافَ من انحدارها التجاري حتى منتصف تسعينيَّات القرن الماضي. ومع ذلك قُدِّمَت بعض الأعمال المثيرة للاهتمام خلال تلك الفترة، وهو ما أظهر درجةً عاليةً من الأصالة في استكشاف الموضوعات. وقد اتَّخذت صناعة السينما الكوريَّة في الثمانينيَّات أولى خطواتها نحو تحوُّلٍ جذريّ. ومع ذلك لم تكن التغييرات كلُّها مبشرِّةً لصانعي الأفلام المحليين، فقد أدى تغييرٌ في السياسة عام 1988م إلى رفع قيود الاستيراد على الأفلام الأجنبيَّة؛ ممَّا سمح لشركات هوليوود بإنشاء مكاتبَ فرعيَّةٍ في كوريا الجنوبيَّة.
يمكن القول: إنَّ الطفرة الحاليَّة التي تشهدها السينما الكوريَّة ليست ظرفًا استثنائيًا، بل هي حالةٌ من وصول الصناعة أخيرًا إلى حالتها الطبيعيَّة. منذ بداياتها والسينما الكوريَّة تواجه تحدِّياتٍ عديدة، لكنَّها لم تنعم بدعمٍ حكوميٍّ وبيئة اقتصادية مستقرَّة إلّا في تسعينيَّات القرن الماضي.
ثمَّ ماذا؟
على الرغم من الطفرة السريعة التي شهدتها المملكة، والتقدُّم الملحوظ الذي تحقَّق في السنوات الأخيرة (والذي تجلَّى في إخراج أفلام محلية ناجحة وصلت إلى مهرجانات عالميَّة، وكذلك في ازدياد الوعي بأهميَّة الثقافة السينمائيَّة، إلى جانب الإنجازات الكبيرة على مستوى شبَّاك التذاكر محليًّا)، لا تزال السينما السعودية اليوم تواجه حالةً من الركود والتعثُّر النسبي؛ ممَّا يقودنا إلى طرح السؤال التالي: ما نوع التحدِّيات التي نشهدها اليوم، وكيف نواجهها للمضيّ قُدمًا؟
بالمقارنة بين نشأة وتطوُّر الصناعتين السعوديَّة والكوريَّة، يمكن القول: إنَّ لكلِّ صناعةٍ سينمائيَّةٍ قصَّتها الخاصة التي تتفرَّد بها عن غيرها، ولها طريقها المضيء والمتميِّز الذي تشقُّه عبر محطاتٍ عديدةٍ في تاريخها. وبالرغم من هذا التباين، فإنَّ ثمَّة تشابهًا ما في الوجهة بين كلتا الصناعتين، فعلى غرار السينما الكوريَّة، بدأت السينما السعودية في عصرها الجديد بدايةً تخلو من المرجعيَّات الكبيرة؛ لذلك تجدُ السينما السعودية نفسها أمام ضرورة ابتكار ذاتها، والمرور بعددٍ كبيرٍ من المحطات، ومواجهة بعض التحدِّيات، بما في ذلك حالات الركود والتراجع التي قد تعقب زخم البدايات. ومن ثمَّ استعدادها لكلِّ التغيُّرات والاحتمالات، وأن تواجهها بثباتِ مَن يدرك أن هذه المراحل هي جزءٌ من رحلة بناءِ الأساس المتين الذي تنطلق منه كلُّ صناعة.
في الختام، تخبرنا السينما، رغم اختلاف قصصها، بإصرارها الدائم على أن تعيش قصَّة ولادتها الخاصّة، حيث يتعيَّن عليها المرور بكلِّ هذه التحدِّيات من الولادة وصولًا إلى الاستقرار، ولن يتحقَّق ذلك إلّا من خلال الوصول إلى نموذج سينما محليّة أصيلة قائمة على أسس متينة، تواجه تحدِّيات الصناعة على نحوٍ حقيقي، وتتجاوزُ ما يتكرَّر على مسامعنا كلَّ يومٍ من تصوُّراتٍ فضفاضة، متخطِّيةً حاجز الركود الذي يعيق تحقُّقها النهائيّ الكبير.