Hero image

القافلة في 2025م: ضوء

فريق القافلة

ديسمبر 30, 2025

شارك

لم يكُن الفن يومًا مجردَ محاكاةٍ للواقع كما نراه من داخل إطار رؤيتنا المحدودة للأشياء، بل يتجاوز ذلك إلى أن تكون مهمته الجوهرية الكشف عمّا لا يمكن رؤيته من خارج هذا الإطار، وعمّا لا يمكننا إدراكه من وراء التفاصيل. وعينُ الفنان وحدها هي القادرة على الغوص فيما خلف تفاصيل الواقع، وإعادة صياغتها ممزوجةً برؤيته الخاصة وفنه الخالص، ليُعيننا على قراءة العالم وقراءة ذواتنا قراءةً عميقة.

وفي عام 2025م، احتفت مجلة القافلة بمجموعة من الفنانين من خلال زاوية "ضوء" عبر إجراء لقاءات معهم والتعريف بجملة من أعمالهم.
وكانت أول فناني القافلة لهذا العام هي السعودية منال الضويّان، التي استخدمت الفن أداةً للتدوين؛ ثم النحات العُماني أحمد الشبيبي، الذي أولى التجريد اهتمامًا كبيرًا في أعماله؛ مرورًا بالفنان البحريني عباس الموسوي، الذي تراوحت أعماله بين الانطباعية والتعبيرية والتجريدية؛ وصولًا إلى الفنان السعودي راشد الشعشعي، الذي سخّر معرفته العميقة بالمادة لصالح فنه؛ ثم الفنان المصري عمر الفيومي، الذي استلهم لوحاته من الطقوس اليومية للناس البسطاء، وختامًا بالفنانة السعودية فاطمة النمر، التي استلهمت من الذاكرة الشعبية لوحاتها الفنية.

 

لا تحكي منال الضويان عبر أعمالها قصتها وحسب، بل عشرات القصص من مجتمعها. أعمال مركبة ومتحركة لا تعرف السكون في زاوية واحدة.

تستعرض روان طلال في هذا العدد تجربة الفنانة منال الضويّان، التي مثّلت السعودية في "بينالي البندقية 2024م"، حيث يُعد هذا الحدث محطةً مفصلية في المسيرة الفنية لأي فنان تسنح له فرصة المشاركة فيه. وتأخذنا الكاتبة في قراءة أعمال الضويّان، انطلاقًا من "ثنائية الصوت والرمال" المُستلهَمة من رمال الربع الخالي في أثناء زيارتها لحقل "الشيبة"، وصولًا إلى تجاربها الفنية ذات الطابع المحلي، التي تُدوّن فيها حياة الناس من خلال رؤيتها الفنية الخاصة.
يقول زكي الصدير في مطلع حديثه عن تجربة أحمد الشبيبي إن المتلقي لأعماله "يتلمّس وجود بصمة دفينة فيها، مستلهمة إما من التراث العربي العام، أو من أيقونات تراثية خليجية". غير أن الشبيبي لا ينقل الواقع كما هو، بل يعيد صياغته ممزوجًا برؤيته الخاصة، وهو ما يتجلّى في أعماله التجريدية الخالصة. ويقول الشبيبي: "الولاء للواقع لا يُعد حراكًا فنيًّا معاصرًا، بل أصبح عملًا حرفيًّا قديمًا أكثر من كونه عملًا فنيًّا".
يأخذنا الكاتب سيد أحمد رضا إلى محطات الفنان عباس الموسوي التي شكّلت رؤاه الفنية وصقلت تجربته، بدءًا من ولادته بالقرب من البحر، الذي أثّر في وعيه الفني، وأتاح له مشاهدة طقوس البحارة وهم يسحبون السفن مردّدين الأهازيج البهيجة، وصولًا إلى تجربته في الابتعاث الفني بالقاهرة. يستلهم الموسوي معظم أعماله من ذاكرته الشخصية، حيث القرية والبحر والأسواق الشعبية، دون أن يُغفله ذلك عن الالتفات إلى مآسي الحروب؛ إذ أطلق عام 1991م مشروعه الفني "الفن من أجل السلام"، ليكون صوتًا مناهضًا للحروب وآثارها الإنسانية.
يحدثنا علي المجنوني في هذا العدد عن تجربة الفنان السعودي راشد الشعشعي، وعن أثر معرفته العميقة بالمواد والخامات في منجزه الفني، وكيف يتكئ على الفكرة قبل البدء في العمل، لتتطور هذه الفكرة وتعيد تشكيل نفسها في أثناء التنفيذ. كما يستعرض تجربته في التعليم والتدريب والاستشارات الفنية والثقافية، التي أثرت في رؤيته للفن، فهو لم يعُد ينظر للفن بوصفه "عملية إنتاج" فحسب، بل باعتباره فكرًا وبُنيةً وتأثيرًا اجتماعيًّا.
يقول الكاتب حسن عبدالموجود إن الفنان المصري عمر الفيومي يتحرك بحرية "في المسافة بين الجدارية والبورتريه"، و"في التلوين بين الاقتصاد والصخب في الألوان"، وهذا ما يميز تجربته الفنية. إذ اتخذ من الطقوس اليومية البسيطة في الأحياء الشعبية مادةً لأعماله، ساعيًا، كما يقول، إلى رصد "البساطة". كما أنه لا يضع عناوين لأعماله، رغم ميلها إلى الواقعية أكثر من التجريد، تجنّبًا لتحديد أفق تلقيها.
يستعرض سيد أحمد رضا في هذه المقالة تجربة الفنانة السعودية فاطمة النمر، كاشفًا ملامحها وواصفًا أجواءها الخاصة. إذ يرى أنه «من خلال لوحاتها، تتقاطع المرجعيات الشعبية مع غنى الطقوس والممارسات، لتتداخل مع الذاكرة والجسد". فمن سؤال الهوية المفتوح في أعمالها، إلى اتخاذها المرأة محورًا رئيسًا في لوحاتها، بكل ما تحمله من رموز ودلالات راسخة في الذاكرة الشعبية. وتعتمد النمر على مواد مستلهمة من المرأة وارتباطها بالذاكرة، لتعيد توظيفها في "سرديات حيّة لنساء قضين أعمارهن في حوار دائم مع الإبرة والخيط".